للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْغَسْلِ، وَهَذَا أَحْسَنُ تَأْوِيلٍ لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَيَكُونُ مَسْحُ الرِّجْلَيْنِ مَنْسُوخًا بِالسُّنَّةِ،

فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى قوما يتوضّؤون وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» مَرَّتَيْنِ

. وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ بَعْدَ عَصْرِ التَّابِعِينَ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَلَمْ يَشِذَّ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا الْإِمَامِيَّةُ مِنَ الشِّيعَةِ، قَالُوا:

لَيْسَ فِي الرِّجْلَيْنِ إِلَّا الْمَسْحُ، وَإِلَّا ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: رَأَى التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَجَعَلَ الْقِرَاءَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي الْإِخْبَارِ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ إِحْدَاهُمَا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَوْنَ التَّخْيِيرَ فِي الْعَمَلِ إِذَا لَمْ يُعْرَفِ الْمُرَجَّحُ. وَاسْتَأْنَسَ الشَّعْبِيُّ لِمَذْهَبِهِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يُمْسَحُ فِيهِ مَا كَانَ يُغْسَلُ فِي الْوُضُوءِ وَيُلْغَى فِيهِ مَا كَانَ يُمْسَحُ فِي الْوُضُوءِ. وَمن الَّذين قرأوا- بِالْخَفْضِ- مَنْ تَأَوَّلَ الْمَسْحَ فِي الرِّجْلَيْنِ بِمَعْنَى الْغَسْلِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْغَسْلَ الْخَفِيفَ مَسْحًا وَهَذَا الْإِطْلَاقُ إِنْ صَحَّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا هُنَا لِأَنَّ الْقُرْآنَ فَرَّقَ فِي التَّعْبِيرِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ.

وَجُمْلَةُ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا- إِلَى قَوْلِهِ- وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَضَى الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.

وَجُمْلَةُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ تَعْلِيلٌ لِرُخْصَةِ التَّيَمُّمِ، وَنَفْيُ الْإِرَادَةِ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ نَفْيِ الْجَعْلِ لِأَنَّ الْمُرِيدَ الَّذِي لَا غَالِبَ لَهُ لَا يَحُولُ دُونَ إِرَادَتِهِ عَائِقٌ.

وَاللَّامُ فِي لِيَجْعَلَ دَاخِلَةٌ عَلَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ مَحْذُوفَةً وَهِيَ لَامٌ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا بَعْدَ أَفْعَالِ الْإِرَادَةِ وَأَفْعَالِ مَادَّةِ الْأَمْرِ، وَهِيَ لَامٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَتُسَمَّى لَامُ أَنْ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٢٦] ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ فِي الْمَوْقِعِ مِنْ مَوْقِعِ لَامِ الْجُحُودِ.

وَالْحَرَجُ: الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ، وَالْحَرَجَةُ: الْبُقْعَةُ مِنَ الشَّجَرِ الْمُلْتَفِّ الْمُتَضَايِقِ، وَالْجَمْعُ حَرَجٌ. وَالْحَرَجُ الْمَنْفِيُّ هُنَا هُوَ الْحَرَجُ الْحِسِّيُّ لَوْ كُلِّفُوا بِطَهَارَةِ الْمَاءِ مَعَ الْمَرَضِ أَوِ السَّفَرِ، وَالْحَرَجُ النَّفْسِيُّ لَوْ مُنِعُوا مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِضُرٍّ أَوْ سَفَرٍ أَوْ فَقْدِ مَاءٍ فَإِنَّهُمْ يَرْتَاحُونَ إِلَى الصَّلَاةِ وَيُحِبُّونَهَا.