للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْعُهُودِ، وَالْمُرَادُ مِنَ النِّعْمَةِ جِنْسُهَا لَا نِعْمَةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَهِيَ مَا فِي الْإِسْلَامِ مِنِ الْعِزِّ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ وَذَهَابِ أَحْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَصَلَاحِ أَحْوَالِ الْأُمَّةِ.

وَالْمِيثَاقُ: الْعَهْدُ، وَوَاثَقَ: عَاهَدَ. وَأُطْلِقَ فِعْلُ وَاثَقَ عَلَى مَعْنَى الْمِيثَاقِ الَّذِي أَعْطَاهُ الْمُسْلِمُونَ، وَعَلَى وَعْدِ اللَّهِ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِعَهْدِهِمْ. فَفِي صِيغَةِ واثَقَكُمْ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.

وإِذْ اسْمُ زَمَانٍ عُرِفَ هُنَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى قَوْلٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ.

وَالْمُسْلِمُونَ عَاهَدُوا اللَّهَ فِي زمن الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةَ عُهُودٍ: أَوَّلُهَا عَهْدُ الْإِسْلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ. وَمِنْهَا عهد الْمُسلمين عِنْد مَا يُلَاقُونَ الرَّسُولَ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَهُوَ الْبَيْعَةُ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقُوا وَلَا يَزْنُوا وَلَا يَقْتُلُوا أَوْلَادَهُمْ وَلَا يَأْتُوا بِبُهْتَانٍ يَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ وَلَا يَعْصُونَهُ فِي مَعْرُوفٍ، وَهُوَ عَيْنُ الْعَهْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُرْآنُ فِي سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ عِنْدَ ذِكْرِ بَيْعَةِ النِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ، كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يُبَايِعُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا بَيْعَةُ الْأَنْصَارِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْبَعْثَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. وَكَانُوا ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ رَجُلًا الْتَقَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ بَعْدَ الْمَوْسِمِ فِي الْعَقَبَةِ وَمَعَهُمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَبَايَعُوا عَلَى أَنْ يَمْنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ كَمَا يَمْنَعُونَ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، وَعَلَى أَنَّهُمْ يَأْوُونَهُ إِذَا هَاجَرَ إِلَيْهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذِهِ الْبَيْعَةَ بَيْعَتَانِ إِحْدَاهُمَا سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْبَعْثَةِ، بَايَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْخَزْرَجِ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ. وَالثَّانِيَةُ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْبَعْثَةِ، بَايَعَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْخَزْرَجِ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ بِالْعَقَبَةِ لِيُبَلِّغُوا الْإِسْلَامَ إِلَى قَوْمِهِمْ. وَمِنَ الْمَوَاثِيقِ مِيثَاقُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنِ الْهِجْرَةِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ وَاثَقُوا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ.

وَمَعْنَى سَمِعْنا وَأَطَعْنا الِاعْتِرَافُ بِالتَّبْلِيغِ، وَالِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُمْ سَمِعُوا مَا طُلِبَ مِنْهُمُ الْعَهْدُ عَلَيْهِ. فَالسَّمْعُ أُرِيدَ بِهِ الْعِلْمُ بِمَا وَاثَقُوا عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعْنا مَجَازًا فِي الِامْتِثَالِ، وَأَطَعْنا تَأْكِيدًا لَهُ. وَهَذَا مِنَ اسْتِعْمَالِ سَمِعَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: بَايَعُوا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ. وَقَالَ النَّابِغَةُ يَذْكُرُ حَالَةَ مَنْ لَدْغَتْهُ حَيَّةٌ فَأَخَذُوا يَرْقُونَهُ: