مَا ذُكِرَ قَبْلَ الْمَوْعِظَةِ هُنَا قَدْ دَلَّ عَلَى مُسَاوَاةِ الرُّسُلِ فِي الْبَشَرِيَّةِ وَمُسَاوَاةِ الْأُمَمِ فِي الْحَاجَةِ إِلَى الرِّسَالَةِ، وَمَا ذُكِرَ قَبْلَ الْمَوْعِظَةِ هُنَالِكَ إِنَّمَا كَانَ إِنْبَاءً بِأَسْرَارِ كُتُبِهِمْ وَمَا يُخْفُونَ عِلْمَهُ عَنِ النَّاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَسَاوِيهِمْ وَسُوءِ سُمْعَتِهِمْ. وَحُذِفَ مَفْعُولُ يُبَيِّنُ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ الشَّرِيعَةِ. فَالْكَلَامُ خِطَابٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَأْكِيدٍ لِجُمْلَةِ يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ [الْمَائِدَة: ١٥] ، فَلِذَلِكَ فُصِّلَتْ.
وَقَوْلُهُ: عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُبَيِّنُ لَكُمْ، فَهُوَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِ جاءَكُمْ. وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِفِعْلِ يُبَيِّنُ لِأَنَّ الْبَيَانَ انْقَطَعَ فِي مُدَّةِ الْفَتْرَةِ.
وَ (عَلَى) لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ بِمَعْنَى (بَعْدَ) لِأَنَّ الْمُسْتَعْلِيَ يَسْتَقِرُّ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ مَا يَسْتَعْلِي هُوَ فَوْقَهُ، فَشُبِّهَ اسْتِقْرَارُهُ بَعْدَهُ بِاسْتِعْلَائِهِ عَلَيْهِ، فَاسْتُعِيرَ لَهُ الْحَرْفُ الدَّالُّ عَلَى الِاسْتِعْلَاءِ.
وَالْفَتْرَةُ: انْقِطَاعُ عَمَلٍ مَا. وَحَرْفُ (مِنْ) فِي قَوْله: مِنَ الرُّسُلِ لِلِابْتِدَاءِ، أَيْ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ ابْتِدَاؤُهَا مُدَّةُ وُجُودِ الرُّسُلِ، أَيْ أَيَّامُ إِرْسَالِ الرُّسُلِ.
وَالْمَجِيءُ مُسْتَعَارٌ لِأَمْرِ الرَّسُولِ بِتَبْلِيغِ الدِّينِ، فَكَمَا سُمِّيَ الرَّسُولُ رَسُولًا سُمِّيَ تَبْلِيغُهُ مَجِيئًا تَشْبِيهًا بِمَجِيءِ الْمُرْسَلِ مِنْ أَحَدٍ إِلَى آخَرَ.
وَالْمُرَادُ بِالرُّسُلِ رُسُلُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُتَعَاقِبِينَ مِنْ عَهْدِ مُوسَى إِلَى الْمَسِيحِ، أَوْ أُرِيدَ الْمَسِيحُ خَاصَّةً. وَالْفَتْرَةُ بَيْنَ الْبَعْثَةِ وَبَيْنَ رَفْعِ الْمَسِيحِ، كَانَتْ نَحْوَ خَمْسِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً.
وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلٌ مِثْلُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ وَحَنْظَلَةَ بْنِ صَفْوَانَ.
وأَنْ تَقُولُوا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: قَدْ جاءَكُمْ لِبَيَانِ بَعْضِ الْحِكَمِ مِنْ بَعْثَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute