للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَصَاحِبُ «الْكَشَّافِ» جَعَلَهُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَشْيِ، فَجَعَلَ فَساداً حَالًا أَوْ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ، وَلَقَدْ نَظَرَ إِلَى أَنَّ غَالِبَ عَمَلِ الْمُحَارِبِ هُوَ السَّعْيُ وَالتَّنَقُّلُ، وَيَكُونُ الْفِعْلُ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ. وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ سَعَى بِمَعْنَى أَفْسَدَ، فَجَعَلَ فَساداً مَفْعُولًا مُطْلَقًا. وَلَا يُعْرَفُ اسْتِعْمَالُ سَعَى بِمَعْنَى أَفْسَدَ.

وَالْفَسَادُ: إِتْلَافُ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، فَالْمُحَارِبُ يقتل الرجل لأحد مَا عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

ويُقَتَّلُوا مُبَالَغَةٌ فِي يُقْتَلُوا، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

فِي أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلٍ قُصِدَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ هُنَا إِيقَاعُهُ بِدُونِ لِينٍ وَلَا رِفْقٍ تَشْدِيدًا عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ فِي قَوْلِهِ يُصَلَّبُوا.

وَالصَّلْبُ: وَضْعُ الْجَانِي الَّذِي يُرَادُ قَتْلُهُ مَشْدُودًا عَلَى خَشَبَةٍ ثُمَّ قَتْلُهُ عَلَيْهَا طَعْنًا بِالرُّمْحِ فِي مَوْضِعِ الْقَتْلِ. وَقِيلَ: الصَّلْبُ بَعْدَ الْقَتْلِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّانِي مَذْهَبُ أَشْهَبَ وَالشَّافِعِيِّ.

ومِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ خِلافٍ ابْتِدَائِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ، فَهِيَ قَيْدٌ لِلْقَطْعِ، أَيْ أنّ الْقطع يبتدىء فِي حَالِ التَّخَالُفِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَقْطُوعَ هُوَ الْعُضْوُ الْمُخَالِفُ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَقْطُوعٍ آخَرَ وَإِلَّا لَمْ تُتَصَوَّرِ الْمُخَالَفَةُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُضْوٌ مَقْطُوعٌ سَابِقٌ فَقَدْ تَعَذَّرَ التَّخَالُفُ فَيَكُونُ الْقَطْعُ لِلْعُضْوِ الْأَوَّلِ آنِفًا ثُمَّ تَجْرِي الْمُخَالَفَةُ فِيمَا بَعْدُ. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: مِنْ خِلافٍ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ مِنَ الْمُحَارِبِ إِلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ أَوْ رِجْلٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يُقْطَعُ يَدَاهُ أَوْ رِجْلَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُتَصَوَّرْ مَعْنًى لِكَوْنِ الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ. فَهَذَا التَّرْكِيبُ مِنْ بَدِيعِ الْإِيجَازِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَوْنَ الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ تَيْسِيرٌ وَرَحْمَةٌ،

لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنُ لحركة بَقِيَّة الْجهد بَعْدَ الْبُرْءِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَوَكَّأَ بِالْيَدِ الْبَاقِيَةِ عَلَى عُودٍ بِجِهَةِ الرِّجْلِ الْمَقْطُوعَةِ.