لَا أَنَامُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ النَّهَار، وَقَالَ آخر: أَمَّا أَنَا فَلَا آتِي النِّسَاءَ، فَبَلَغَ خَبَرُهُمْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ كَذَا. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ، قَالَ: لَكِنِّي أَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَآتِي النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَمَعْنَى هَذَا فِي «صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ» عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَرُوِيَ أَنَّ نَاسًا مِنْهُمْ، وَهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيِّ، وَمَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ اجْتَمَعُوا فِي دَارِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَرْفُضُوا أَشْغَالَ الدُّنْيَا، وَيَتْرُكُوا النِّسَاءَ وَيَتَرَهَّبُوا. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ فَغَلَّظَ فِيهِمُ الْمَقَالَةَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَأُولَئِكَ بَقَايَاهُمْ فِي الدِّيَارِ وَالصَّوَامِعِ» .
فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ
.. وَهَذَا الْخَبَرُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الِاجْتِمَاعَ كَانَ فِي أَوَّلِ مُدَّةِ الْهِجْرَةِ لِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَارٌ بِالْمَدِينَةِ وَأَسْكَنَهُ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ أُمِّ الْعَلَاءِ
الْأَنْصَارِيَّةِ الَّتِي قِيلَ: إِنَّهَا زَوْجَةُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَتُوُفِّيَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ نَاسًا قَالُوا إِنِ النَّصَارَى قَدْ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَنَحْنُ نُحَرِّمُ عَلَى أَنْفُسِنَا بَعْضَ الطَّيِّبَاتِ فَحَرَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ أَكَلَ اللَّحْمِ، وَبَعْضُهُمُ النَّوْمَ، وَبَعْضُهُمُ النِّسَاءَ وَأَنَّهُمْ أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِذَلِكَ بِأَيْمَانٍ حَلَفُوهَا عَلَى تَرْكِ مَا الْتَزَمُوا تَرْكَهُ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى وُقُوعِ انْصِرَافِ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الزّهْد وارادة فِي الصَّحِيحِ، مِثْلَ
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي. قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، قُلْتُ: إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute