لَا أُؤَدِّي شُكْرَهُ، فَقَالَ لَهُ: الْحَسَنُ: أَفَتَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِدَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ أَكْثَرُ مِنْ نِعْمَتِهِ فِي الْفَالَوْذِ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ النَّهْيِ أَنْ يَلْفِظَ بِلَفْظِ التَّحْرِيمِ خَاصَّةً بَلْ أَنْ يَتْرُكَهُ تَشْدِيدًا عَلَى نَفْسِهِ سَوَاءً لَفَظَ بِالتَّحْرِيمِ أَمْ لَمْ يَلْفِظْ بِهِ. وَمِنْ أَجْلِ هَذَا النَّهْيِ اعْتُبِرَ هَذَا التَّحْرِيمُ لَغْوًا فِي الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَجْعَلُ الْإِسْلَامُ لِلتَّحْرِيمِ سَبِيلًا إِلَيْهَا وَهِيَ كُلُّ حَالٍ عَدَا تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ. وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ أَوْ عَمَّمَ فَقَالَ: الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَنَّهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَلَالِ إِلَّا الزَّوْجَةَ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ كَالْبَتَاتِ مَا لَمْ يَنْوِ إِخْرَاجَ الزَّوْجَةِ قَبْلَ النُّطْقِ بِصِيغَةِ التَّحْرِيمِ أَوْ يُخْرِجُهَا بِلَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ النُّطْقِ بِصِيغَةِ التَّحْرِيمِ، عَلَى حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ عَقْدَ الْعِصْمَةِ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّحْرِيمُ شَرْعًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَكَانَ الْتِزَامُ التَّحْرِيمِ لَازِمًا فِيهَا خَاصَّةً، فَإِنَّهُ لَوْ حَرَّمَ الزَّوْجَةَ وَحْدَهَا حَرُمَتْ، فَكَذَلِكَ إِذَا شَمِلَهَا لَفْظٌ عَامٌّ. وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ حَرُمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ مَا لَمْ يُكَفِّرْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، فَإِنْ كَفَّرَ حَلَّ لَهُ إِلَّا الزَّوْجَةَ. وَذَهَبَ مَسْرُوقٌ وَأَبُو سَلَمَةَ إِلَى عَدَمِ لُزُومِ التَّحْرِيمِ فِي الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا.
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ تَنْبِيهٌ لِفُقَهَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى الِاحْتِرَازِ فِي الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ لَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِهِ، أَوْ كَانَ دَلِيلُهُ غَيْرَ بَالِغٍ قُوَّةَ دَلِيلِ النَّهْيِ الْوَارِدِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا قَدْ حَرَّمُوا أَشْيَاءَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْأَنْعَامِ، وَقَدْ أَبْطَلَهَا اللَّهُ بِقَوْلِهِ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ [الْأَعْرَاف: ٣٢] ، وَقَوْلِهِ: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ [الْأَنْعَام: ١٤٠] ، وَقَوْلِهِ: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ- إِلَى قَوْلِهِ- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الْأَنْعَام: ١٤٣، ١٤٤] ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute