للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْفَاءُ فِي فَاجْتَنِبُوهُ لِلتَّفْرِيعِ وَقَدْ ظَهَرَ حُسْنُ مَوْقِعِ هَذَا التَّفْرِيعِ بَعْدَ التَّقَدُّمِ بِمَا يُوجِبُ النُّفْرَةَ مِنْهَا. وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي قَوْلِهِ فَاجْتَنِبُوهُ عَائِدٌ إِلَى الرِّجْسِ الْجَامِعِ لِلْأَرْبَعَةِ. ولَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ رَجَاءٌ لَهُمْ أَنْ يُفْلِحُوا عِنْدَ اجْتِنَابِ هَذِهِ الْمَنْهِيَّاتِ إِذَا لَمْ

يَكُونُوا قَدِ اسْتَمَرُّوا عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ. وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الْبَقَرَة: ٢١] . وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا اخترته فِي مَحل (لَعَلَّ) وَهُوَ الْمُطَّرِدُ فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِهَا، وَأَمَّا الْمَحَامِلُ الَّتِي تَأَوَّلُوا بِهَا (لَعَلَّ) فِي آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَبَعْضُهَا لَا يَتَأَتَّى فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَتَأَمَّلْهُ.

وَاجْتِنَابُ الْمَذْكُورَاتِ هُوَ اجْتِنَابُ التَّلَبُّسِ بِهَا فِيمَا تَقْصِدُ لَهُ مِنَ الْمَفَاسِدِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا فَاجْتِنَابُ الْخَمْرِ اجْتِنَابُ شُرْبِهَا وَالْمَيْسِرِ اجْتِنَابُ التَّقَامُرِ بِهِ، وَالْأَنْصَابِ اجْتِنَابُ الذَّبْحِ عَلَيْهَا وَالْأَزْلَامِ اجْتِنَابُ الِاسْتِقْسَامِ بِهَا وَاسْتِشَارَتِهَا. وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الِاجْتِنَابِ اجْتِنَابُ مَسِّهَا أَوْ إِرَاءَتِهَا لِلنَّاسِ لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ مِنَ اعْتِبَارٍ بِبَعْضِ أَحْوَالِهَا فِي الِاسْتِقْطَارِ وَنَحْوِهُ، أَوْ لِمَعْرِفَةِ صُوَرِهَا، أَوْ حِفْظِهَا كَآثَارٍ مِنَ التَّارِيخِ أَوْ تَرْكِ الْخَمْرِ فِي طَوْرِ اخْتِمَارِهَا لِمَنْ عَصَرَ الْعِنَبَ لِاتِّخَاذِهِ خَلًّا، عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ وَاخْتِلَافٍ فِي بَعْضِهِ.

فَأَمَّا اجْتِنَابُ مُمَاسَّةِ الْخَمْرِ وَاعْتِبَارُهَا نَجِسَةً لِمَنْ تَلَطَّخَ بِهَا بَعْضُ جَسَدِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فَهُوَ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلُوا الرِّجْسَ فِي الْآيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَمْرِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ الْمَعْنَوِيِّ وَالذَّاتِيِّ، فَاعْتَبَرُوا الْخَمْرَ نَجِسَ الْعَيْنِ يَجِبُ غَسْلُهَا كَمَا يَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ، حَمْلًا لِلَفْظِ الرِّجْسِ عَلَى جَمِيعِ مَا يَحْتَمِلُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَلَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فِي قِدَاحِ الْمَيْسِرِ وَلَا فِي حِجَارَةِ الْأَنْصَابِ وَلَا فِي الْأَزْلَامِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ الْخَمْرِ لَا وَجْهَ لَهَا مِنَ النَّظَرِ. وَلَيْسَ فِي الْأَثَرِ مَا يُحْتَجُّ بِهِ لِنَجَاسَةِ الْخَمْرِ. وَلَعَلَّ كَوْنَ الْخَمْرِ مَائِعَةً هُوَ الَّذِي قَرَّبَ شَبَهَهَا بِالْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ، فَلَمَّا وُصِفَتْ بِأَنَّهَا رِجْسٌ حُمِلَ فِي خُصُوصِهَا عَلَى مَعْنَيَيْهِ. وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ