للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْجُنَاحِ عَنْهُمْ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَتَّقُوا وَيُؤْمِنُوا وَيَعْمَلُوا الصَّالِحَاتِ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ أَثَرًا عَلَى فِعْلِهِ أَوْ عَلَى تَرْكِهِ، وَإِذْ قَدْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مِنْ قَبْلُ، وَكَانَ الْإِيمَانُ عَقْدًا عَقْلِيًّا لَا يَقْبَلُ التَّجَدُّدَ تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَآمَنُوا مَعْنَى وَدَامُوا عَلَى الْإِيمَانِ وَلَمْ يُنْقِضُوهُ بِالْكُفْرِ.

وَجُمْلَةُ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِجُمْلَةِ إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقُرِنَ بِحَرْفِ ثُمَّ الدَّالِّ عَلَى التَّرَاخِي الرتبي ليَكُون إيماءا إِلَى الِازْدِيَادِ فِي التَّقْوَى وَآثَارِ الْإِيمَانِ، كَالتَّأْكِيدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ [النبإ: ٤، ٥] وَلِذَلِكَ لَمْ يُكَرِّرْ قَوْلَهُ: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لِأَنَّ عَمَلَ الصَّالِحَاتِ مَشْمُولٌ لِلتَّقْوَى.

وَأَمَّا جُمْلَةُ ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا فَتُفِيدُ تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا لِجُمْلَةِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَتُفِيدُ الِارْتِقَاءَ فِي التَّقْوَى بِدَلَالَةِ حَرْفِ ثُمَّ عَلَى التَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ. مَعَ زِيَادَةِ صِفَةِ الْإِحْسَانِ. وَقَدْ فسّر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِحْسَانَ بِقَوْلِهِ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» . وَهَذَا يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ لَا مَحَالَةَ فَلِذَلِكَ اسْتُغْنِيَ عَنْ إِعَادَةِ وَآمَنُوا هُنَا. وَيَشْمَلُ فِعْلُ

وَأَحْسَنُوا الْإِحْسَانَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى التَّقْوَى، لِأَنَّ مِنْهُ إِحْسَانًا غَيْرَ وَاجِبٍ وَهُوَ مِمَّا يَجْلِبُ مَرْضَاةَ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ ذَيَّلَهُ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَأْوِيلِ التَّكْرِيرِ الْوَاقِعِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ طَرَائِقَ مُخْتَلِفَةً لَا دَلَائِلَ عَلَيْهَا فِي نَظْمِ الْآيَةِ، وَمَرْجِعُهَا جَعْلُ التَّكْرِيرِ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ اتَّقَوْا عَلَى مَعْنَى تَغَايُرِ التَّقْوَى وَالْإِيمَانِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ أَوْ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا مَا اتَّقَوْا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ إِلَى وُجُوهٍ نَشَأَتْ عَنْ حَمْلِهِ عَلَى مَعْنَى التَّقْيِيدِ لِنَفْيِ الْجُنَاحِ بِحُصُولِ الْمَشْرُوطِ. وَفِي جَلْبِهَا طُولٌ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ بَعْضًا مِنَ السَّلَفِ تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى مَعْنَى الرُّخْصَةِ فِي