وَمَعْنَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ إِبْقَاءُ حِلِّيَّتِهِ لِأَنَّهُ حَلَالٌ مِنْ قَبْلِ الْإِحْرَامِ. وَالْخِطَابُ فِي لَكُمْ لِلَّذِينَ آمَنُوا. وَالصَّيْدُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَصِيدِ لِيَجْرِيَ اللَّفْظُ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ فِي مَوَاقِعِهِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، أَيْ أُحِلَّ لَكُمْ قَتْلُهُ، أَيْ إِمْسَاكُهُ مِنَ الْبَحْرِ.
وَالْبَحْرُ يَشْمَلُ الْأَنْهَارَ وَالْأَوْدِيَةَ لِأَنَّ جَمِيعَهَا يُسَمَّى بَحْرًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ الْآيَةَ. وَلَيْسَ الْعَذْبُ إِلَّا الْأَنْهَارَ كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ. وَصَيْدُ الْبَحْرِ: كُلُّ دَوَابِّ الْمَاءِ الَّتِي تصاد فِيهِ، فَيَكُونُ إِخْرَاجُهَا مِنْهُ سَبَبَ مَوْتِهَا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا. فَأَمَّا مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَفِي الْمَاءِ فَلَيْسَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ كَالضُّفْدَعِ وَالسُّلَحْفَاةِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا. أَمَّا الْخِلَافُ فِيمَا يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ، عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ مِنْهُ مَا لَا يُؤْكَلُ، فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ ذكره، لأنّ الْآيَة لَيْسَتْ بِمُثْبِتَةٍ لِتَحْلِيلِ
أَكْلِ صَيْدِ الْبَحْرِ وَلَكِنَّهَا مُنَبِّهَةً عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِهِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ.
وَقَوْلُهُ: وَطَعامُهُ عُطِفَ عَلَى صَيْدُ الْبَحْرِ. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْبَحْرِ، أَيْ وَطَعَامُ الْبَحْرِ، وَعَطْفُهُ اقْتَضَى مُغَايَرَتَهُ لِلصَّيْدِ. وَالْمَعْنَى: وَالْتِقَاطُ طَعَامِهِ أَوْ وَإِمْسَاكُ طَعَامِهِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْ «طَعَامِهِ» . وَالَّذِي رُوِيَ عَنْ جُلَّةِ الصَّحَابَةِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-: أَنَّ طَعَامَ الْبَحْرِ هُوَ مَا طَفَا عَلَيْهِ مِنْ مَيْتَةٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبُ مَوْتِهِ إِمْسَاكَ الصَّائِدِ لَهُ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ طَعَامِ الْبَحْرِ غَيْرُ هَذَا مِمَّا لَا يُلَائِمُ سِيَاقَ الْآيَةِ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ حَرَّمُوا أَكْلَ مَا يُخْرِجُهُ الْبَحْرُ مَيِّتًا، وَيَرُدُّ قَوْلَهُمْ مَا
ثَبَتَ عَنْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .
وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْحُوتِ الْمُسَمَّى الْعَنْبَرَ، حِينَ وَجَدُوهُ مَيِّتًا، وَهُمْ فِي غَزْوَةٍ، وَأَكَلُوا مِنْهُ، وَأَخْبَرُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَكَلَ مِنْهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَانْتَصَبَ مَتاعاً عَلَى الْحَالِ. وَالْمَتَاعُ: مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ. وَالتَّمَتُّعُ: انْتِفَاعٌ بِمَا يَلَذُّ وَيَسُرُّ. وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: مَتاعاً لَكُمْ لِلْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمْ مُتَنَاوِلِينَ الصَّيْدَ، أَيْ مَتَاعًا لِلصَّائِدِينَ وَلِلسَّيَّارَةِ.
وَالسَّيَّارَةُ: الْجَمَاعَةُ السَّائِرَةُ فِي الْأَرْضِ لِلسَّفَرِ وَالتِّجَارَةِ، مُؤَنَّثُ سَيَّارٍ، وَالتَّأْنِيثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute