للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَصْفَ مَدْحٍ، وَيَكُونُ تَجَنُّبُهُ لِلتَّنَزُّهِ عَنْهُ فَيَكُونُ وَصْفَ ذَمٍّ، كَمَا تَقُولُ:

الْخَمْرُ حَرَامٌ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ قِياماً- بِأَلِفٍ بَعْدَ الْيَاءِ-. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ قِيَمًا- بِدُونِ ألف بعد الْيَاء-.

وَالْقِيَامُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ قَامَ إِذَا اسْتَقَلَّ عَلَى رِجْلَيْهِ، وَيُسْتَعَارُ لِلنَّشَاطِ، وَيُسْتَعَارُ مِنْ ذَلِكَ لِلتَّدْبِيرِ وَالْإِصْلَاحِ، لِأَنَّ شَأْنَ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا مُهِمًّا أَنْ يَنْهَضَ لَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣] . وَمِنْ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ قِيلَ لِلنَّاظِرِ فِي أُمُورِ شَيْءٍ وَتَدْبِيرِهِ: هُوَ قَيِّمٌ عَلَيْهِ أَوْ قَائِمٌ عَلَيْهِ، فَالْقِيَامُ هُنَا بِمَعْنَى الصَّلَاحِ وَالنَّفْعِ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ قِيَمًا فَهُوَ مَصْدَرُ (قَامَ) عَلَى وَزْنِ فِعَلٍ- بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ- مِثْلُ شِبَعٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَحَدُ تَأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. وَإِنَّمَا أُعِلَّتْ وَاوُهُ فَصَارَتْ يَاءً لِشِدَّةِ مُنَاسَبَةِ الْيَاءِ لِلْكَسْرَةِ. وَهَذَا الْقَلْبُ نَادِرٌ فِي الْمَصَادِرِ الَّتِي عَلَى وَزْنِ فِعَلٍ مِنَ الْوَاوِيِّ الْعَيْنِ. وَإِثْبَاتُهُ لِلْكَعْبَةِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَهُوَ إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ، لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا جَعَلَهَا اللَّهُ سَبَبًا فِي أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ سَابِقَةٍ كَانَ بِهَا صَلَاحُ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ وَقَامَتْ بِهَا مَصَالِحُهُمْ، جُعِلَتِ الْكَعْبَةُ هِيَ الْقَائِمَةُ لَهُمْ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْقِيَامِ لَهُمْ.

وَالنَّاسُ هُنَا نَاسٌ مَعْهُودُونَ، فَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ. وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْعَرَبُ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِالْكَعْبَةِ وَشَعَائِرِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ كَالْفُرْسِ وَالرُّومِ. وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ لِهَؤُلَاءِ مِنْ مَنَافِعِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمُعَامَلَةِ فَذَلِكَ تَبَعٌ لِوُجُودِ السُّكَّانِ لَا لِكَوْنِ الْبَيْتِ حَرَامًا، إِلَّا إِذَا أُرِيدَ التَّسَبُّبُ الْبَعِيدُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْلَا حُرْمَةُ الْكَعْبَةِ وَحُرْمَةُ الْأَشْهُرِ فِي الْحَجِّ لَسَادَ الْخَوْفُ فِي تِلْكَ الرُّبُوعِ فَلَمْ تَسْتَطِعِ الْأُمَمُ التِّجَارَةَ هُنَالِكَ.

وَإِنَّمَا كَانَتِ الْكَعْبَةُ قِيَامًا لِلنَّاسِ لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِأَنْ يُنْزِلَ فِي مَكَّةَ زَوْجَهُ وَابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ، وَأَرَادَ أَنْ تَكُونَ نَشْأَةُ الْعَرَبِ الْمُسْتَعْرِبَةِ (وَهُمْ ذُرِّيَّةُ إِسْمَاعِيلَ) فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لِيَنْشَأُوا أُمَّةً أَصِيلَةَ الْآرَاءِ عَزِيزَةَ النُّفُوسِ ثَابِتَةَ الْقُلُوبِ، لِأَنَّهُ قَدَّرَ أَنْ