وَصْلِيَّةً عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوِ افْتَدى بِهِ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٩١] .
وَقَوْلُهُ وَلا نَكْتُمُ عُطِفَ عَلَى لَا نَشْتَرِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إِحْلَافِهِمَا أَنْ يُؤَدِّيَا الشَّهَادَةَ كَمَا تَلَقَّيَاهَا فَلَا يُغَيِّرَا شَيْئًا مِنْهَا وَلَا يَكْتُمَاهَا أَصْلًا.
وَإِضَافَةُ الشَّهَادَةِ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ تَعْظِيمٌ لخطرها عِنْد الشَّهَادَة وَغَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَمَرَ بِأَدَائِهَا كَمَا هِيَ وَحَضَّ عَلَيْهَا أَضَافَهَا إِلَى اسْمِهِ حِفْظًا لَهَا مِنَ التَّغْيِيرِ، فَالتَّصْرِيحُ بِاسْمِهِ تَعَالَى تَذْكِيرٌ لِلشَّاهِدِ بِهِ حِينَ الْقَسَمِ.
وَفِي قَوْلِهِ وَلا نَكْتُمُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ هُنَا مَعْنَاهَا الْمُتَعَارَفُ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرٍ خَاصٍّ يَعْرِضُ فِي مِثْلِهِ التَّرَافُعُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْيَمِينَ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فَلَا نُطِيلُ بِرَدِّهِ فَقَدْ رَدَّهُ اللَّفْظُ.
وَجُمْلَةُ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّهَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِدَلِيلِ وُجُودِ إِذا، فَإِنَّهُ حَرْفُ جَوَابٍ: اسْتَشْعَرَ الشَّاهِدَانِ سُؤَالًا مِنَ الَّذِي حَلَفَا لَهُ بِقَوْلِهِمَا: لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ، يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: لَعَلَّكُمَا لَا تَبِرَّانِ بِمَا أَقْسَمْتُمَا عَلَيْهِ، فأجابا: إنّا إِذن لَمِنَ الْآثِمِينَ، أَيْ إِنَّا نَعْلَمُ تَبِعَةَ عَدَمِ الْبِرِّ بِمَا أَقْسَمْنَا عَلَيْهِ أَنْ نَكُونَ مِنَ الْآثِمِينَ، أَيْ وَلَا نَرْضَى بِذَلِكَ.
وَالْآثِمُ: مُرْتَكِبُ الْإِثْمِ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْإِثْمَ هُوَ الْحِنْثُ بِوُقُوعِ الْجُمْلَةِ استئنافا مَعَ «إِذن» الدَّالَّةِ عَلَى جَوَابِ كَلَامٍ يَخْتَلِجُ فِي نَفْسِ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ الْآيَةَ، أَيْ إِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا كَتَمَا أَوْ بَدَّلَا وَحَنَثَا فِي يَمِينِهِمَا، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما فَرْعٌ عَنْ بُطْلَانِ شَهَادَتِهِمَا، فَحَذَفَ مَا يُعَبِّرُ عَنْ بُطْلَانِ شَهَادَتِهِمَا إِيجَازًا كَقَوْلِهِ: اضْرِبْ (١) بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً [الْبَقَرَة: ٦٠] أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ.
(١) فِي المطبوعة: (أَن اضْرِب بعصاك ... ) الْمُوَافقَة لِلْآيَةِ: ١٦٠ من الْأَعْرَاف، والمثبت هُوَ الْمُوَافق للشرح وَالله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute