أَوْ يَطْرَحَ، أَوْ يَقْسِمَ، فَلَا إِعْرَابَ لَهَا مَعَ مَا يَلِيهَا، وَلَا مَعْنَى لِلتَّقْدِيرِ بِالْمُؤَلَّفِ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ الْإِعْلَامُ بِمَقْصُودٍ لِظُهُورِهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَا يَحْصُلُ عِنْدَ تَعْدَادِهَا مِنَ التَّعْرِيضِ لِأَنَّ الَّذِي يَتَهَجَّى الْحُرُوفَ لِمَنْ يُنَافِي حَالُهُ أَنْ يُقْصَدَ تَعْلِيمُهُ يَتَعَيَّنُ مِنَ الْمَقَامِ أَنَّهُ يَقْصِدُ التَّعْرِيضَ. وَإِذَا قَدَّرْتَهَا أَسْمَاءً لِلسُّوَرِ أَوْ لِلْقُرْآنِ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى مُقْسَمًا بِهَا فَقِيلَ إِنَّ لَهَا أَحْكَامًا مَعَ مَا يَلِيهَا مِنَ الْإِعْرَابِ بَعْضُهَا مُحْتَاجٌ لِلتَّقْدِيرِ الْكَثِيرِ، فَدَعْ عَنْكَ الْإِطَالَةَ بِهَا فَإِنَّ الزَّمَانَ قَصِيرٌ.
وَهَاتِهِ الْفَوَاتِحُ قُرْآنٌ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنِ اخْتُلِفَ فِي أَنَّهَا آيَاتٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِآيَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ بَلْ هِيَ أَجْزَاءٌ مِنَ الْآيَاتِ الْمُوَالِيَةِ لَهَا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مَذَاهِبِ جُمْهُورِ
الْقُرَّاءِ. وَرُوِيَ عَنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ أَنَّ بَعْضَهَا عَدُّوهُ آيَاتٍ مُسْتَقِلَّةً وَبَعْضُهَا لَمْ يَعُدُّوهُ وَجَعَلُوهُ جُزْءَ آيَةٍ مَعَ مَا يَلِيهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ التَّفْصِيلِ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» إِنَّ هَذَا لَا دَخْلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ. وَالصَّحِيحُ عَنِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ جَمِيعَهَا آيَاتٍ وَهُوَ اللَّائِقُ بِأَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ إِذِ التَّفْصِيلُ تَحَكُّمٌ لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَفْقُودٌ. وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّهَا آيَاتٌ لِأَنَّ لَهَا دَلَالَةً تَعْرِيضِيَّةً كِنَائِيَّةً إِذِ الْمَقْصُودُ إِظْهَارُ عَجْزِهِمْ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهِيَ تُطَابِقُ مُقْتَضَى الْحَالِ مَعَ مَا يَعْقُبُهَا مِنَ الْكَلَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي دَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنًى كِنَائِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعْنًى صَرِيحٌ بَلْ تُعْتَبَرُ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ تَقْدِيرِيَّةً إِنْ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ مُلَازَمَةِ دَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ لِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ.
وَيَدُلُّ لِإِجْرَاءِ السَّلَفِ حُكْمَ أَجْزَاءِ الْآيَاتِ عَلَيْهَا أَنهم يقرأونها إِذا قرأوا الْآيَةَ الْمُتَّصِلَةَ بِهَا، فَفِي «جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ» فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ فِي ذِكْرِ سَبَبِ نُزُولِ سُورَةِ الرُّومِ فَنَزَلَتْ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ [الرُّومُ: ١، ٢] ، وَفِيهِ أَيْضًا: «فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَصِيحُ فِي نَوَاحِي مَكَّةَ الم غُلِبَتِ الرُّومُ وَفِي «سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ» مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ عَنْهُ: «فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ: حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ: فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت: ١- ١٣] الْحَدِيثَ.
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ اخْتُلِفَ فِي إِجْزَاءِ قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الَّذِينَ يَكْتَفُونَ فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ مِثْلَ أَصْحَابِ أبي حنيفَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute