للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِعِيسَى لِئَلَّا يُفْزِعَهُ السُّؤَالُ الْوَارِدُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ إِلَخ ...

[الْمَائِدَة: ١١٦] وَهَذَا تَقْرِيعٌ لِلْيَهُودِ، وَمَا بَعْدَهَا تَقْرِيعٌ لِلنَّصَارَى. وَالْمُرَادُ مِنَ اذْكُرْ نِعْمَتِي الذُّكْرُ- بِضَمِّ الذَّالِ- وَهُوَ اسْتِحْضَارُ الْأَمْرِ فِي الذِّهْنِ. وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ اذْكُرْ لِلِامْتِنَانِ، إِذْ لَيْسَ عِيسَى بِنَاسٍ لِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَتِهِ. وَمِنْ لَازِمِهِ خِزْيُ الْيَهُودِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِرٌ مُفْسِدٌ إِذْ لَيْسَ السِّحْرُ وَالْفَسَادُ بِنِعْمَةٍ يَعُدُّهَا اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ. وَوَجْهُ ذِكْرِ وَالِدَتِهِ هُنَا الزِّيَادَةُ مِنْ تَبْكِيتِ الْيَهُودِ وَكَمَدِهِمْ لِأَنَّهُمْ تَنَقَّصُوهَا بِأَقْذَعَ مِمَّا تَنَقَّصُوهُ.

وَالظَّرْفُ فِي قَوْلِهِ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ مُتَعَلِّقٌ بِ نِعْمَتِي لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمَصْدَرِ، أَيِ النِّعْمَةَ الْحَاصِلَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ وَقْتُ التَّأْيِيدِ بِرُوحِ الْقُدُسِ. وَرُوحُ الْقُدُسِ هُنَا جِبْرِيلُ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَالتَّأْيِيدُ وَرُوحُ الْقُدُسِ تَقَدَّمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٨٧] عِنْدَ قَوْلِهِ: وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ.

وَجُمْلَةُ تُكَلِّمُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ بِ أَيَّدْتُكَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَلْقَى الْكَلَامَ مِنَ الْمَلِكِ عَلَى لِسَانِ عِيسَى وَهُوَ فِي الْمَهْدِ، وَفِي ذَلِكَ تَأْيِيدٌ لَهُ لِإِثْبَاتِ نَزَاهَةِ تَكَوُّنِهِ، وَفِي ذَلِكَ نِعْمَةٌ عَلَيْهِ، وَعَلَى وَالِدَتِهِ إِذْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهَا مِمَّا اتُّهِمَتْ بِهِ.

وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ فِي الْمَهْدِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تُكَلِّمُ. وكَهْلًا

مَعْطُوفٌ عَلَى فِي الْمَهْدِ لِأَنَّهُ حَالٌ أَيْضًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً [يُونُس: ١٢] . وَالْمَهْدُ وَالْكَهْلُ تَقَدَّمَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. وَتَكْلِيمُهُ كَهْلًا أُرِيدَ بِهِ الدَّعْوَةُ إِلَى الدِّينِ فَهُوَ مِنَ التَّأْيِيدِ بِرُوحِ الْقُدُسِ، لِأَنَّهُ الَّذِي يُلْقِي إِلَى عِيسَى مَا يَأْمُرُهُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ.

وَقَوْلُهُ: وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ هُنَالِكَ.

إِلَّا أَنَّهُ قَالَ هُنَا فَتَنْفُخُ فِيها وَقَالَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٤٩] فَأَنْفُخُ فِيهِ. فَعَنْ مَكِّيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ عَادَ إِلَى الطَّيْرِ، وَالضَّمِيرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ