للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شُمُولَ الضَّمِيرِ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ السَّامِعُ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى تَأْكِيدِهِ بِاسْمِ الْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ ذِكْرَ جَمِيعاً قُصِدَ مِنْهُ التَّنْبِيهُ. عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَصْنَامِهِمْ، فَيَكُونُ نَظِيرَ قَوْلِهِ: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ [يُونُس: ٢٨] وَقَوله: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الْفرْقَان: ١٧] وَانْتَصَبَ جَمِيعاً هُنَا عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ حَشْرِ أَصْنَامِهِمْ مَعَهُمْ أَنْ تَظْهَرَ مَذَلَّةُ الْأَصْنَامِ وَعَدَمُ جَدْوَاهَا كَمَا يَحْشُرُ الْغَالِبُ أَسْرَى قَبِيلَةٍ وَمَعَهُمْ مَنْ كَانُوا يَنْتَصِرُونَ بِهِ، لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا غَائِبِينَ لَظَنُّوا أنّهم لَو حصروا لَشَفَعُوا، أَوْ أَنَّهُمْ شُغِلُوا عَنْهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجَلَالَةِ وَالنَّعِيمِ، فَإِنَّ الْأَسْرَى كَانُوا قَدْ يأملون حُضُور شفائعهم أَوْ مَنْ يُفَادِيهِمْ. قَالَ النَّابِغَةُ:

يَأْمُلْنَ رِحْلَةَ نَصْرٍ وَابْنِ سَيَّارِ وَعَطَفَ نَقُولُ بِ ثُمَّ لِأَنَّ الْقَوْلَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ زَمَنِ حَشْرِهِمْ بِمُهْلَةٍ لِأَنَّ حِصَّةَ انْتِظَارِ الْمُجْرِمِ مَا سَيَحُلُّ بِهِ أَشَدُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِي إِهْمَالِ الِاشْتِغَالِ بِهِمْ تَحْقِيرًا لَهُمْ. وَتُفِيدُ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ الرُّتْبِيَّ.

وَصَرَّحَ بِ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا لِأَنَّهُمْ بَعْضُ مَا شَمِلَهُ الضَّمِيرُ، أَيْ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مِنْ بَيْنِ ذَلِكَ الْجَمْعِ.

وَأَصْلُ السُّؤَالِ بِ أَيْنَ أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي يَحُلُّ فِيهِ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ، نَحْوَ:

أَيْنَ بَيْتُكَ، وَأَيْنَ تَذْهَبُونَ. وَقَدْ يُسْأَلُ بِهَا عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي لَا مَكَانَ لَهُ، فَيُرَادُ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ سَبَبِ عَدَمِهِ، كَقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ حِينَ خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ فَقَصَدَ الْمِنْبَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَيْنَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ. وَقد يسْأَل بأين عَنْ عَمَلِ أَحَدٍ كَانَ مَرْجُوًّا مِنْهُ، فَإِذَا حَضَرَ وَقْتُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ يسْأَل عَنهُ بأين، كَأَنَّ السَّائِلَ يَبْحَثُ عَنْ مَكَانِهِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْغَائِبِ الْمَجْهُولِ مَكَانَهُ فالسؤال بأين هُنَا عَنِ الشُّرَكَاءِ الْمَزْعُومِينَ وَهُمْ حَاضِرُونَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخْرَى. قَالَ تَعَالَى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الصافات: ٢٢] .