للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَجِيءَ السَّاعَةِ غَايَةً لِلْخُسْرَانِ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْخُسْرَانَ الْمَقْصُودَ هُنَا هُوَ خُسْرَانُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يَخْسَرْ شَيْئًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامٌ عَلَى (حَتَّى) الِابْتِدَائِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٢٥] . وَسَيَجِيءُ لِمَعْنَى (حَتَّى) زِيَادَةُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ- إِلَى قَوْلِهِ- حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣٧] .

وَالسَّاعَةُ: عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى سَاعَةِ الْبَعْثِ وَالْحَشْرِ.

وَالْبَغْتَةُ فَعْلَةٌ مِنَ الْبَغْتِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ بَغَتَهُ الْأَمْرُ إِذَا نَزَلَ بِهِ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ تَرَقُّبٍ وَلَا

إِعْلَامٍ وَلَا ظُهُورِ شَبَحٍ أَوْ نَحْوِهِ. فَفِي الْبَغْتِ مَعْنَى الْمَجِيءِ عَنْ غَيْرِ إِشْعَارٍ. وَهُوَ مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ، فَإِنَّ الْمَصْدَرَ يَجِيءُ حَالًا إِذَا كَانَ ظَاهِرًا تَأْوِيلُهُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى الْإِخْبَارِ بِالْمَصْدَرِ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ.

وَقَوْلُهُ: قالُوا جَوَابُ (إِذَا) . وَيَا حَسْرَتَنا نِدَاءٌ مَقْصُودٌ بِهِ التَّعَجُّبُ وَالتَّنَدُّمُ، وَهُوَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ نِدَاءٌ لِلْحَسْرَةِ بِتَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ شَخْصٍ يَسْمَعُ وَيُنَادَى لِيَحْضُرَ كَأَنَّهُ يَقُولُ: يَا حَسْرَةً احْضُرِي فَهَذَا أَوَانُ حُضُورِكِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: يَا لَيْتَنِي فَعَلْتُ كَذَا، وَيَا أَسَفِي أَوْ يَا أَسَفَا، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.

وَأَضَافُوا الْحَسْرَةَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ لِيَكُونَ تَحَسُّرُهُمْ لِأَجْلِ أَنْفُسِهِمْ، فَهُمُ الْمُتَحَسِّرُونَ وَالْمُتَحَسَّرُ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْقَائِلِ: يَا حَسْرَةً، فَإِنَّهُ فِي الْغَالِبِ تَحَسَّرَ لِأَجْلِ غَيْرِهِ فَهُوَ يَتَحَسَّرُ لِحَالِ غَيْرِهِ. وَلِذَلِكَ تَجِيءُ مَعَهُ (عَلَى) الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُتَحَسَّرِ مِنْ أَجْلِهِ دَاخِلَةً عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ التَّحَسُّرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ فَأَمَّا مَعَ (يَا حَسْرَتِي، أَوْ يَا حَسْرَتَا) فَإِنَّمَا تَجِيءُ (عَلَى) دَاخِلَةً عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي كَانَ سَبَبًا فِي التَّحَسُّرِ كَمَا هُنَا عَلى مَا فَرَّطْنا فِيها. وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: يَا وَيْلِي وَيَا وَيْلَتِي، قَالَ تَعَالَى:

وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنا [الْكَهْف: ٤٩] ، فَإِذَا أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ أَنَّ الْوَيْلَ لِغَيْرِهِ قَالَ: وَيْلَكَ، قَالَ تَعَالَى: وَيْلَكَ آمِنْ [الْأَحْقَاف: ١٧] وَيَقُولُونَ: وَيْلٌ لَكَ.