للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي بَعْدَ قَدْ فِعْلَ مُضِيٍّ، وَفِي زَمَنِ الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ إِنْ كَانَ الْفِعْلُ بَعْدَ (قَدْ) فِعْلًا مُضَارِعًا مَعَ مَا يُضَمُّ إِلَى التَّحْقِيقِ مِنْ دَلَالَةِ الْمَقَامِ، مِثْلَ تَقْرِيبِ زَمَنِ الْمَاضِي مِنَ الْحَالِ فِي نَحْوِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ. وَهُوَ كِنَايَةٌ تَنْشَأُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِتَحْقِيقِ فِعْلٍ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَشُكَّ السَّامِعُ فِي أَنَّهُ يَقَعُ، وَمِثْلَ إِفَادَةِ التَّكْثِيرِ مَعَ الْمُضَارِعِ تَبَعًا لِمَا يَقْتَضِيهِ الْمُضَارِعُ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّجَدُّدِ، كَالْبَيْتِ الَّذِي نَسَبَهُ سِيبَوَيْهِ لِلْهُذَلِيِّ، وَحَقَّقَ ابْنُ بَرِّيٍّ أَنَّهُ لِعَبِيدِ بْنِ الْأَبْرَصِ، وَهُوَ:

قَدْ أَتْرُكُ الْقِرْنَ مُصْفَرًّا أَنَامِلُهُ ... كَأَنَّ أَثْوَابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَادِ

وَبَيْتُ زُهَيْرٍ:

أَخَا ثِقَةٍ لَا تُهْلِكُ الْخَمْرُ مَالَهُ ... وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ الْمَالَ نَائِلُهُ

وَإِفَادَةُ اسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ، كَقَوْلِ كَعْبٍ:

لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ بِهِ ... أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ

لَظَلَّ يُرْعَدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ ... مِنَ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ

أَرَادَ تَحْقِيقَ حُضُورِهِ لَدَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ اسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ مِنَ الْوَجَلِ الْمَشُوبِ بِالرَّجَاءِ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كَلَامَ سِيبَوَيْهِ بَرِيءٌ مِمَّا حَمَّلُوهُ، وَمَا نَشَأَ اضْطِرَابُ كَلَامِ النُّحَاةِ فِيهِ إِلَّا مِنْ فَهْمِ ابْنِ مَالِكٍ لِكَلَامِ سِيبَوَيْهِ. وَقَدْ رَدَّهُ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ رَدًّا وَجِيهًا.

فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلِمْنَا بِأَنَّ الَّذِي يَقُولُونَهُ يُحْزِنُكَ مُحَقَّقًا فَتَصْبِرُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لِي كَلَامٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٤٤] ، فَكَانَ فِيهِ إِجْمَالٌ وَأَحَلْتُ عَلَى تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، فَهَذَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيِي.

وَفِعْلُ نَعْلَمُ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ فِي مَفْعُولَيْنِ بِوُجُودِ اللَّامِ.