للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَصَدَ بِهِ الشُّمُولَ وَالْإِحَاطَةَ، لِأَنَّهُ وَصْفٌ آيِلٌ إِلَى مَعْنَى التَّوْكِيدِ، لِأَنَّ مُفَادَ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ أَنَّهُ طَائِرٌ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا طَائِرٌ وَلَا طَائِرٌ. وَالتَّوْكِيدُ هُنَا يُؤَكِّدُ مَعْنَى الشُّمُولِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ (مِنَ) الزَّائِدَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ تَقْرِيرُ مَعْنَى الشُّمُولِ الْحَاصِلِ مِنْ نَفْيِ اسْمَيِ الْجِنْسَيْنِ. وَنُكْتَةُ التَّوْكِيدِ أَنَّ الْخَبَرَ لِغَرَابَتِهِ عِنْدَهُمْ وَكَوْنِهِ مَظِنَّةَ إِنْكَارِهِمْ أَنَّهُ حَقِيقٌ بِأَنْ يُؤَكَّدَ.

وَوَقَعَ فِي «الْمِفْتَاحِ» فِي بَحْثِ إِتْبَاعِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِالْبَيَانِ أَنَّ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ مِنَ اللَّفْظَيْنِ الْجِنْسُ لَا بَعْضُ الْأَفْرَادِ وَهُوَ غَيْرُ مَا فِي «الْكَشَّافِ» ، وَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بَعْضُ الْأَفْرَادِ وَوُجُودُ (مِنْ) فِي النَّفْيِ نَصٌّ عَلَى نَفْيِ الْجِنْسِ دُونَ الْوَحْدَةِ.

وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَصْفُ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ وَارِدًا لِرَفْعِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ فِي طائِرٍ كَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَإِنْ كَانَ رَفْعُ احْتِمَالِ الْمَجَازِ مِنْ جُمْلَةِ نُكَتِ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ إِلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ تَأْكِيدِ الْعُمُومِ أَوْلَى، بِخِلَافِ نَحْوِ قَوْلِهِمْ:

نَظَرْتُهُ بِعَيْنَيَّ وَسَمِعْتُهُ بِأُذُنَيَّ. وَقَول صَخْر:

شَرّ وَاتَّخَذَتْ مِنْ شَعَرٍ صِدَارَهَا إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّدَارَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنْ شَعَرٍ.

وأُمَمٌ جَمْعُ أُمَّةٍ. وَالْأُمَّةُ أَصْلُهَا الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ الْمُتَمَاثِلَةُ فِي صِفَاتٍ ذَاتِيَّةٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ لُغَةٍ أَوْ عَادَةٍ أَوْ جِنْسٍ أَوْ نَوْعٍ. قِيلَ: سُمِّيَتْ أُمَّةً لِأَنَّ أَفْرَادَهَا تَؤُمُّ أُمَمًا وَاحِدًا وَهُوَ

مَا يَجْمَعُ مُقَوِّمَاتِهَا.

وَأَحْسَبُ أَنَّ لَفْظَ أُمَّةٍ خَاصٌّ بِالْجَمَاعَةِ الْعَظِيمَةِ مِنَ الْبَشَرِ، فَلَا يُقَالُ فِي اللُّغَةِ أُمَّةُ الْمَلَائِكَةِ وَلَا أُمَّةُ السِّبَاعِ. فَأَمَّا إِطْلَاقُ الْأُمَمِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهُوَ مَجَازٌ، أَيْ مِثْلُ الْأُمَمِ لِأَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْهَا تَجْتَمِعُ أَفْرَادُهُ فِي صِفَاتٍ مُتَّحِدَةٍ بَيْنَهَا أُمَمًا وَاحِدَةً، وَهُوَ مَا يَجْمَعُهَا وَأَحْسَبُ أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْبَشَرِ.

ودَابَّةٍ وطائِرٍ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يُرَادُ بِهِمَا جَمِيعُ أَفْرَادِ النَّوْعَيْنِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الِاسْتِغْرَاقِ، فَالْإِخْبَارُ عَنْهُمَا بِلَفْظِ أُمَمٌ وَهُوَ جَمْعٌ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِجَمَاعَاتِهَا، أَيْ إِلَّا جَمَاعَاتُهَا أُمَمٌ، أَوْ إِلَّا أَفْرَادُ أُمَمٍ.