وَالْمَعْنَى: وَلَكِنِ اعْتَرَاهُمْ مَا فِي خِلْقَتِهِمْ مِنَ الْمُكَابَرَةِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ عَنِ الْبَاطِلِ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ لَا تَتَأَثَّرُ فَشُبِّهَتْ بِالشَّيْءِ الْقَاسِي. وَالْقَسْوَةُ: الصَّلَابَةُ.
وَقَدْ وَجَدَ الشَّيْطَانُ مِنْ طِبَاعِهِمْ عَوْنًا عَلَى نَفْثِ مُرَادِهِ فِيهِمْ فَحَسُنَ لَهُمْ تِلْكَ الْقَسَاوَةُ وَأَغْرَاهُمْ بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَى آثَامِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ. وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ الضَّلَالَ يَنْشَأُ عَنِ اسْتِعْدَادِ اللَّهِ فِي خِلْقَةِ النَّفْسِ.
وَالتَّزْيِينُ: جَعْلُ الشَّيْءِ زَيْنًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٤] .
وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ. وَالنِّسْيَانُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِعْرَاضِ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ [الْأَنْعَام: ٤١] . وَظَاهِرُ تَفَرُّعِ التَّرْكِ عَنْ قَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ. وَ (مَا) مَوْصُولَةٌ مَاصِدْقُهَا الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ، أَيْ لَمَّا انْصَرَفُوا عَنِ الْفِطْنَةِ بِذَلِكَ وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى تَدَارُكِ أَمْرِهِمْ. وَمَعْنَى ذُكِّرُوا بِهِ أَنَّ اللَّهَ ذَكَّرَهُمْ عِقَابَهُ الْعَظِيمَ بِمَا قَدَّمَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ. وَ (لَمَّا) حَرْفُ شَرْطٍ يَدُلُّ عَلَى اقْتِرَانِ وُجُودِ جَوَابِهِ بِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ مِثْلَ بَقِيَّةِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ.
وَقَوْلُهُ: فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ جَوَاب فَلَمَّا وَالْفَتْحُ ضِدَّ الْغَلْقِ، فَالْغَلْقُ:
سَدُّ الْفُرْجَةِ الَّتِي يُمْكِنُ الِاجْتِيَازُ مِنْهَا إِلَى مَا وَرَاءَهَا بِبَابٍ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ إِقَامَةِ الْحَائِطِ فَلَا تُسَمَّى غَلْقًا.
وَالْفَتْحُ: جَعْلُ الشَّيْءِ الْحَاجِزِ غَيْرَ حَاجِزٍ وَقَابِلًا لِلْحَجْزِ، كَالْبَابِ حِينَ يُفْتَحُ. وَلِكَوْنِ مَعْنَى الْفَتْحِ وَالْغَلْقِ نِسْبِيَّيْنِ بَعْضُهُمَا مِنَ الْآخَرِ قِيلَ لِلْآلَةِ الَّتِي يُمْسَكُ بِهَا الْحَاجِزُ وَيُفْتَحُ بِهَا مِفْتَاحًا وَمِغْلَاقًا، وَإِنَّمَا يُعْقَلُ الْفَتْحُ بَعْدَ تَعَقُّلِ الْغَلْقِ، وَلِذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَضِيًا أَنَّ الْأَبْوَابَ الْمُرَادَ هَاهُنَا كَانَتْ مُغْلَقَةً وَقْتَ أَنْ أُخِذُوا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَعُلِمَ أَنَّهَا أَبْوَابُ الْخَيْرِ لِأَنَّهَا الَّتِي لَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute