للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَعْطَاهُ، فَشُبِّهَتْ هَيْئَةُ إِعْدَامِ الْخَالِقِ بَعْضَ مَوَاهِبِ مَخْلُوقِهِ بِهَيْئَةِ انْتِزَاعِ الْآخِذِ شَيْئًا مِنْ مقرّه. فالهيئة المشبّه هُنَا عَقْلِيَّةٌ غَيْرُ مَحْسُوسَةٍ وَالْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهَةُ بِهَا مَحْسُوسَةٌ. وَالْخَتْمُ عَلَى الْقُلُوبِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ. وَالْمُرَادُ بِالْقُلُوبِ الْعُقُولُ الَّتِي بِهَا إِدْرَاكُ الْمَعْقُولَاتِ.

وَالسَّمْعُ مَصْدَرٌ دَالٌّ عَلَى الْجِنْسِ فَكَانَ فِي قُوَّةِ الْجَمْعِ، فَعَمَّ بِإِضَافَتِهِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ وَلَا حَاجَةَ إِلَى جَمْعِهِ.

وَالْأَبْصَارُ جَمْعُ بَصَرٍ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْعَيْنُ عَلَى التَّحْقِيقِ. وَقِيلَ: يُطْلَقُ الْبَصَرُ عَلَى حَاسَّةِ الْإِبْصَارِ وَلِذَلِكَ جُمِعَ لِيَعُمَّ بِالْإِضَافَةِ جَمِيعَ أَبْصَارِ الْمُخَاطَبِينَ، وَلَعَلَّ إِفْرَادَ السَّمْعِ وَجَمْعَ الْأَبْصَارِ جَرَى عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ تَمَامُ الْفَصَاحَةِ مِنْ خِفَّةِ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ مُفْرَدًا وَالْآخَرُ مَجْمُوعًا عِنْدَ اقْتِرَانِهِمَا، فَإِنَّ فِي انْتِظَامِ الْحُرُوفِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ فِي تَنَقُّلِ اللِّسَانِ سِرًّا عَجِيبًا مِنْ فَصَاحَةِ كَلَامِ الْقُرْآنِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالنَّظْمِ. وَكَذَلِكَ نَرَى مَوَاقِعَهَا فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ [الْأَنْعَام: ٢٦] .

وَالْقُلُوبُ مُرَادٌ بِهَا الْعُقُولُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْقَلْبَ سَبَبُ إِمْدَادِ الْعَقْلِ بِقُوَّةِ الْإِدْرَاكِ.

وَقَوْلُهُ: مَنْ إِلهٌ مُعَلِّقٌ لِفِعْلِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ، أَيْ أَعَلِمْتُمْ جَوَابَ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ أَمْ أَنْتُمْ فِي شَكٍّ. وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّقْرِيرِ يُقْصَدُ مِنْهُ إِلْجَاءُ السَّامِعِينَ إِلَى النَّظَرِ فِي جَوَابِهِ فَيُوقِنُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيهِمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ الْخَالِقُ لِلسَّمْعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْعُقُولِ فَإِنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ أَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَخْلُقُ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمُ الْقُرْآنُ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النَّحْل: ١٧] .

ومَنْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وإِلهٌ خَبَرُ مَنْ، وغَيْرُ اللَّهِ صِفَةُ إِلهٌ، ويَأْتِيكُمْ جُمْلَةٌ فِي مَحَلِّ الصِّفَةِ أَيْضًا، وَالْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ هُوَ إِلَهٌ، أَيْ لَيْسَ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِي بِذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ. وَمَعْنَى يَأْتِيكُمْ بِهِ يُرْجِعُهُ، فَإِنَّ أَصْلَ أَتَى بِهِ، جَاءَ بِهِ. وَلَمَّا كَانَ الشَّيْءُ الْمَسْلُوبُ إِذَا اسْتَنْقَذَهُ مُنْقِذٌ يَأْتِي بِهِ إِلَى مَقَرِّهِ أَطْلَقَ الْإِتْيَانَ بِالشَّيْءِ عَلَى

إِرْجَاعِهِ مَجَازًا أَوْ كِنَايَةً.