للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هِيَ إِضَافَةُ الْمَفَاتِحِ إِلَى الْغَيْبِ، فَقَوْلُهُ: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ: عِنْدَهُ عَلِمُ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ.

وَمَفَاتِحُ الْغَيْبِ جَمْعٌ مُضَافٌ يَعُمُّ كُلَّ الْمُغَيَّبَاتِ، لِأَنَّ عِلْمَهَا كُلَّهَا خَاصٌّ بِهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الْأُمُورُ الَّتِي لَهَا أَمَارَاتٌ مِثْلُ أَمَارَاتِ الْأَنْوَاءِ وَعَلَامَاتِ الْأَمْرَاضِ عِنْدَ الطَّبِيبِ فَتِلْكَ لَيْسَتْ مِنَ الْغَيْبِ بَلْ مِنْ أُمُورِ الشَّهَادَةِ الْغَامِضَةِ. وَغُمُوضُهَا مُتَفَاوِتٌ وَالنَّاسُ فِي التَّوَصُّلِ إِلَيْهَا مُتَفَاوِتُونَ وَمَعْرِفَتُهُمْ بِهَا مِنْ قَبِيلِ الظَّنِّ لَا مِنْ قَبِيلِ الْيَقِينِ فَلَا تُسَمَّى عِلْمًا، وَقِيلَ: الْمَفَاتِحُ جَمْعُ مَفْتَحٍ- بِفَتْحِ الْمِيمِ- وَهُوَ الْبَيْتُ أَوِ الْمَخْزَنُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنَّ يُغْلَقَ عَلَى مَا فِيهِ ثُمَّ يُفْتَحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى مَا فِيهِ، وَنُقِلَ هَذَا عَنِ السُّدِّيِّ، فَيَكُونُ اسْتِعَارَةً مُصَرَّحَةً وَالْمُشَبَّهُ هُوَ الْعِلْمُ بِالْغَيْبِ شُبِّهَ فِي إِحَاطَتِهِ وَحَجْبِهِ المغيّبات بِبَيْت الخزم تَشْبِيهَ مَعْقُولٍ بِمَحْسُوسٍ.

وَجُمْلَةُ لَا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ مُبَيِّنَةٌ لِمَعْنًى عِنْدَهُ، فَهِيَ بَيَانٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَمُفِيدَةٌ تَأْكِيدًا لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى أَيْضًا لِرَفْعِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيمُ الظَّرْفِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ فَأُعِيدَ مَا فِيهِ طَرِيقٌ مُتَعَيِّنٌ كَوْنُهُ لِلْقَصْرِ. وَضَمِيرُ يَعْلَمُها عَائِدٌ إِلَى مَفاتِحُ الْغَيْبِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ مِنْ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ. تَقْدِيرُهُ: لَا يَعْلَمُ مَكَانَهَا إِلَّا هُوَ، لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَوَاتِ الْمَفَاتِحِ، وَهُوَ تَرْشِيحٌ لِاسْتِعَارَةِ مَفَاتِحِ الْغَيْبِ لِلْعِلْمِ بِالْمُغَيَّبَاتِ، وَنَفْيُ عِلْمِ غَيْرِهِ لَهَا كِنَايَةٌ عَنْ نَفْيِ الْعِلْمِ بِمَا تُغْلَقُ عَلَيْهِ الْمَفَاتِحُ مِنْ عِلْمِ الْمُغَيَّبَاتِ.

وَمَعْنَى: لَا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ أَيْ عِلْمًا مُسْتَقِلًّا بِهِ، فَأَمَّا مَا أَطْلَعَ عَلَيْهِ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الْجِنّ: ٢٦] فَذَلِكَ عِلْمٌ يَحْصُلُ لِمَنْ أَطْلَعَهُ بِإِخْبَارٍ مِنْهُ فَكَانَ رَاجِعًا إِلَى عِلْمِهِ هُوَ.

وَالْعِلْمُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ بِكَيْفِيَّةِ الْيَقِينِ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أنّ رَسُول يَا لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ:

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.