هُدَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٢٠] ، أَيِ الْقُرْآنُ هُوَ الْهُدَى لَا كُتُبُهُمْ.
وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ بِلَامِ الْجِنْسِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى قَصْرِ جِنْسِ الْهُدَى عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ بِلَامِ الْجِنْسِ، وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ لِأَنَّ السِّيَاقَ لِرَدِّ دَعْوَةِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمُ الرُّجُوعَ إِلَى دِينِهِمُ الْمُتَضَمِّنَةِ اعْتِقَادَهُمْ أَنَّهُ هُدًى، فَالْقَصْرُ لِلْقَلْبِ إِذْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْهُدَى، فَلَا يَكُونُ قَصْرُ الْهُدَى عَلَى هُدَى الْقُرْآنِ بِمَعْنَى الْهُدَى الْكَامِلِ، بِخِلَافِ مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَجُمْلَةُ: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ عَطْفٌ عَلَى الْمَقُولِ. وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الْأَنْعَام: ٥٦] ، وَقَوله قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ الْآيَةَ.
وَاللَّامُ فِي لِنُسْلِمَ أَصْلُهَا لِلتَّعْلِيلِ وَتُنُوسِيَ مِنْهَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ فَصَارَتْ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ. وَهِيَ اللَّامُ الَّتِي يَكْثُرُ وُرُودُهَا بَعْدَ مَادَّةِ الْأَمْرِ وَمَادَّةِ الْإِرَادَةِ. وَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ لَامَ أَنْ- بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ- قَالَ الزَّجَّاجُ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَمَرْتُكَ بِأَنْ تَفْعَلَ وَأَمَرْتُكَ أَنْ تَفْعَلَ وَأَمَرْتُكَ لِتَفْعَلَ. فَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ، وَإِذَا حَذَفُوهَا فَهِيَ مُقَدَّرَةٌ مَعَ (أَنْ) . وَأَمَّا أَمَرْتُكَ لِتَفْعَلَ، فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ، فَقَدْ أَخْبَرَ بِالْعِلَّةِ الَّتِي لَهَا وَقَعَ الْأَمْرُ. يَعْنِي وَأَغْنَتِ الْعِلَّةُ عَنْ ذِكْرِ الْمُعَلَّلِ. وَقِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَقِيلَ: زَائِدَةٌ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ف (أَن) مضرَّة بَعْدَهَا، أَيْ لِأَجْلِ أَنْ نُسْلِمَ. وَالْمَعْنَى: وَأُمِرْنَا بِالْإِسْلَامِ، أَيْ أُمِرْنَا أَنْ أَسْلِمُوا. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ اللَّامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٢٦] .
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِرَبِّ الْعالَمِينَ متعلّقة ب لِنُسْلِمَ لِأَنَّهُ مَعْنَى تَخَلُّصٍ لَهُ، قَالَ:
فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْإِسْلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٣١] . وَفِي ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ دُونَ اسْمِهِ الْعَلَمِ إِشَارَةٌ إِلَى تَعْلِيلِ الْأَمْرِ وَأَحَقِّيَّتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute