وَجَمَعَ قَوْلُهُ: وَاتَّقُوهُ جَمِيعَ أُمُورِ الدِّينِ، وَتَخْصِيصُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ بِالذِّكْرِ
لِلِاهْتِمَامِ.
وَجُمْلَةُ: وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ إِمَّا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ اتَّقُوهُ عَطْفَ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِقَوْلِهِ: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ، أَيْ وَقُلْ لَهُمْ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، أَوْ عَطْفٌ عَلَى قُلْ فَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْمَقُولِ. وَفِي هَذَا إِثْبَاتٌ لِلْحَشْرِ عَلَى مُنْكِرِيهِ وَتَذْكِيرٌ بِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ تَحْرِيضًا عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّقْوَى.
وَاشْتَمَلَتْ جُمْلَةُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ عَلَى عِدَّةِ مُؤَكِّدَاتٍ وَهِيَ: صِيغَةُ الْحَصْرِ بِتَعْرِيفِ الْجُزْأَيْنِ، وَتَقْدِيمُ مَعْمُولِ تُحْشَرُونَ الْمُفِيدُ لِلتَّقَوِّي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْقِيقُ وُقُوعِ الْحَشْرِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَتَحْقِيقُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْحُصْرُ هُنَا حَقِيقِيٌّ إِذْ هُمْ لَمْ يُنْكِرُوا كَوْنَ الْحَشْرِ إِلَى اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا وُقُوعَ الْحَشْرِ، فَسَلَكَ فِي إِثْبَاتِهِ طَرِيقَ الْكِنَايَةِ بِقَصْرِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَلْزِمِ وُقُوعَهُ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ، تَعْرِيضًا بِأَنَّ آلِهَتَهُمْ لَا تُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا.
وَجُمْلَةُ: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ عَطْفٌ عَلَى وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، وَالْقَصْرُ حَقِيقِيٌّ إِذْ لَيْسَ ثَمَّ رَدِّ اعْتِقَادٍ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ الَّتِي فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ. فَالْمَقْصُودُ الِاسْتِدْلَالُ بِالْقَصْرِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْخَلَائِقَ عَبِيدُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النَّحْل: ١٧] .
وَالْبَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: بِالْحَقِّ لِلْمُلَابَسَةِ، وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِ خَلَقَ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ.
وَالْحَقُّ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ (حَقَّ) إِذَا ثَبَتَ، ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِلْأَمْرِ الثَّابِتِ الَّذِي لَا يُنَكَّرُ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِثْلَ فُلَانٌ عَدْلٌ. وَالْحَقُّ ضِدُّ الْبَاطِلِ. فَالْبَاطِلُ اسْمٌ لِضِدِّ مَا يُسَمَّى بِهِ الْحَقُّ فَيُطْلَقُ الْحَقُّ إِطْلَاقًا شَائِعًا عَلَى الْفِعْلِ أَوِ الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ عَدْلٌ وَإِعْطَاءُ الْمُسْتَحِقِّ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَهُوَ حِينَئِذٍ مُرَادِفُ الْعَدْلِ وَيُقَابِلُهُ الْبَاطِلُ فَيُرَادِفُ الْجَوْرَ وَالظُّلْمَ، وَيُطْلَقُ الْحَقُّ عَلَى الْفِعْلِ أَوِ الْقَوْلِ السَّدِيدِ الصَّالِحِ الْبَالِغِ حَدَّ الْإِتْقَانِ وَالصَّوَابِ، وَيُرَادِفُ الْحِكْمَةَ وَالْحَقِيقَةَ، وَيُقَابِلُهُ الْبَاطِلُ فَيُرَادِفُ الْعَبَثَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute