أَنَّهُ قَوْلٌ مُسْتَقْبَلٌ، وَهُوَ الْخَلْقُ الثَّانِي الْمُقَابِلُ لِلْخَلْقِ الْأَوَّلِ، وَلِذَلِكَ أُتِيَ بِكَلِمَةِ يَوْمَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ تَكْوِينٌ خَاصٌّ مُقَدَّرٌ لَهُ يَوْمٌ مُعَيَّنٌ.
وَفِي قَوْلِهِ: قَوْلُهُ الْحَقُّ صِيغَةُ قَصْرٍ لِلْمُبَالِغَةِ، أَيْ هُوَ الْحَقُّ الْكَامِلُ لِأَنَّ أَقْوَالَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْحَقِّ فَهِيَ مُعَرَّضَةٌ لِلْخَطَأِ وَمَا كَانَ فِيهَا غَيْرَ مُعَرَّضٍ لِلْخَطَأِ فَهُوَ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ أَوْ مِنْ نِعْمَتِهِ بِالْعَقْلِ وَالْإِصَابَةِ، فَذَلِكَ اعْتِدَادٌ بِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى فَضْلِ اللَّهِ. وَنَظِيرُ هَذَا
قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ: «قَوْلُكَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ» .
وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَائِهِ فِي يَوْمِ الْحَشْرِ، وَهُوَ يَوْمُ يَقُولُ كُنْ، مِنْ أَمْرِ تَكْوِينٍ، أَوْ أَمْرِ ثَوَابٍ، أَوْ عِقَابٍ، أَوْ خَبَرٍ بِمَا اكْتَسَبَهُ النَّاسُ مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ وَأَضْدَادِهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ حَقٌّ. وَخَصَّ مِنْ بَيْنِ الْأَقْوَالِ أَمْرَ التَّكْوِينِ لِمَا اقْتَضَاهُ التَّقْدِيمُ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ كَمَا عَلِمْتَ.
وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي إِعْرَابِ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِقَامَةِ الْمَعْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَالِكُ أُخْرَى غَيْرُ جَارِيَةٍ عَلَى السُّبُلِ الْوَاضِحَةِ.
وَقَوْلُهُ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَانْتِظَامُهَا كَانْتِظَامِ جُمْلَةِ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ إِلَّا أَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ قَصْرُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ، أَيِ الْمُلْكُ مَقْصُورٌ عَلَى الْكَوْنِ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ لِرَدِّ مَا عَسَى أَنْ يَطْمَعَ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ مُشَارَكَةِ أَصْنَامِهِمْ يَوْمَئِذٍ فِي التَّصَرُّفِ وَالْقَضَاءِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الظَّرْفِ تَهْوِيلُ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَالنَّفْخُ فِي الصُّورِ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ بِحَيَاةِ الْأَمْوَاتِ الَّذِي يَعُمُّ سَائِرَ الْأَمْوَاتِ، فَيَحْيَوْنَ بِهِ وَيَحْضُرُونَ لِلْحَشْرِ كَمَا يَحْضُرُ الْجَيْشُ بِنَفْخِ الْأَبْوَاقِ وَدَقِّ الطُّبُولِ.
وَالصُّورُ: الْبُوقُ.
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِنَفْخِ الصُّورِ هُوَ إِسْرَافِيلُ، وَلَا يَعْلَمُ كُنْهَ هَذَا النَّفْخِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى»
. وَيَوْمُ النَّفْخِ فِي الصُّورِ هُوَ يَوْمُ يَقُولُ: كُنْ فَيَكُونُ، وَلَكِنَّهُ عُبِّرَ عَنْهُ هُنَا بِ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ لِإِفَادَةِ هَذَا الْحَالِ الْعَجِيبِ، وَلِأَنَّ الْيَوْمَ لَمَّا جُعِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute