للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُقَالُ: جَنَّهُ اللَّيْلُ، أَيْ أَخْفَاهُ، وَجَنَانُ اللَّيْلِ- بِفَتْحِ الْجِيمِ-، وَجَنَّهُ: سَتْرُهُ الْأَشْيَاءَ الْمَرْئِيَّةَ بِظَلَامِهِ الشَّدِيدِ. يُقَالُ: جِنَّهُ اللَّيْلُ، وَهُوَ الْأَصْلُ. وَيُقَالُ: جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، وَهَذَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي السَّتْرِ بِالظُّلْمَةِ حَتَّى صَارَتْ كَأَنَّهَا غِطَاءٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ فِي كَلَامِهِمْ جَنَّ اللَّيْلُ قَاصِرًا بِمَعْنَى أَظْلَمَ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: رَأى كَوْكَباً أَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ رُؤْيَةُ الْكَوَاكِبِ عَرَضًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلتَّأَمُّلِ وَإِلَّا فَإِنَّ الْأُفُقَ فِي اللَّيْلِ مَمْلُوءٌ كواكب، وأنّ الْكَوَاكِب كَانَ حِينَ رَآهُ وَاضِحًا فِي السَّمَاءِ مُشْرِقًا بِنُورِهِ، وَذَلِكَ أَنْوَرُ مَا يَكُونُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَأَى كَوْكَبًا مِنْ بَيْنِهَا شَدِيدَ الضَّوْءِ. فَعَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ الْكَوْكَبَ هُوَ الزُّهَرَةُ. وَعَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ الْمُشْتَرِي.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَظَرَ الْكَوَاكِبَ فَرَأَى كَوْكَبًا فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ إِيجَازُ حَذْفٍ مِثْلُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [الشُّعَرَاء: ٦٣] ، أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ. وَجُمْلَةُ رَأى كَوْكَباً جَوَاب فَلَمَّا. وَالْكَوْكَبُ: النَّجْمُ.

وَجُمْلَةُ: قالَ هَذَا رَبِّي مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابًا لِسُؤَالٍ يَنْشَأُ عَنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ رَأى كَوْكَباً وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَ سَائِلٌ: فَمَاذَا كَانَ عِنْد مَا رَآهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: قالَ هَذَا رَبِّي جوبا لِذَلِكَ.

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ هُنَا لِقَصْدِ تَمْيِيزِ الْكَوْكَبِ مِنْ بَيْنِ الْكَوَاكِب وَلَكِن إجراؤه عَلَى نَظِيرَيْهِ فِي قَوْلِهِ حِينَ رَأَى الْقَمَرَ وَحِينَ رَأَى الشَّمْسَ هَذَا رَبِّي- هَذَا رَبِّي يُعَيِّنُ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ هُوَ الْكِنَايَةُ بِالْإِشَارَةِ عَنْ كَوْنِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ أَمْرًا مَطْلُوبًا مَبْحُوثًا عَنْهُ فَإِذَا عُثِرَ عَلَيْهِ أُشِيرَ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ كَالْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ [الرّوم: ٥٦] ، وَقَوْلِهِ: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ [يُوسُف: ٣٢] وَلَمْ يُقَلْ فَهُوَ الَّذِي لُمْتُنَّنِي. وَلَعَلَّ مِنْهُ قَوْلَهُ: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا [يُوسُف: ٦٥] إِذْ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى «بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا» . وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: «ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ» (يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ، لِأَنَّ عَلِيًّا وَشَأْنُهُ هُوَ الْجَارِي فِي خَوَاطِرِ النَّاسِ أَيَّامَ صِفِّينَ، وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ [الْأَنْعَام: ٨٩] يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَفِي حَدِيثِ سُؤَالِ الْقَبْرِ: «فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ