للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ إِذَا جَازَ ذَلِكَ لِحِفْظِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْقَاذِهَا مِنَ الْهَلَاكِ كَانَ جَوَازُهُ لِإِنْقَاذِ فَرِيقٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْلَى. وَقَدْ يَكُونُ فِعْلُ ذَلِكَ بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْيِ.

وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ قَوْمَهُ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَأَنَّهُمْ عَلَى دِينِ الصَّابِئَةِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الدِّينُ شَائِعًا فِي بُلْدَانِ الْكِلْدَانِ الَّتِي نَشَأَ فِيهَا إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَأَنَّ الْأَصْنَامَ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا أَرَادُوا بِهَا أَنَّهَا صُوَرٌ لِلْكَوَاكِبِ وَتَمَاثِيلُ لَهَا عَلَى حَسَبِ تَخَيُّلَاتِهِمْ

وَأَسَاطِيرِهِمْ مِثْلَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْيُونَانُ الْقُدَمَاءُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَبَدُوا الْكَوَاكِبَ وَعَبَدُوا صُوَرًا أُخْرَى عَلَى أَنَّهَا دُونَ الْكَوَاكِبِ كَمَا كَانَ الْيُونَانُ يُقَسِّمُونَ الْمَعْبُودَاتِ إِلَى آلِهَةٍ وَأَنْصَافِ آلِهَةٍ.

عَلَى أَنَّ الصَّابِئَةَ يَعْتَقِدُونَ أنّ للكواكب رُوحَانِيَّاتٌ تَخْدِمُهَا.

وَأَفَلَ النَّجْمُ أُفُولًا: غَابَ، وَالْأُفُولُ خَاصٌّ بِغِيَابِ النَّيِّرَاتِ السَّمَاوِيَّةِ، يُقَالُ: أَفَلَ النَّجْمُ وَأَفَلَتِ الشَّمْسُ، وَهُوَ الْمَغِيبُ الَّذِي يَكُونُ بِغُرُوبِ الْكَوْكَبِ وَرَاءَ الْأُفُقِ بِسَبَبِ الدَّوْرَةِ الْيَوْمِيَّةِ لِلْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ، فَلَا يُقَالُ: أَفَلَتِ الشَّمْسُ أَوْ أَفَلَ النَّجْمُ إِذَا احْتَجَبَ بِسَحَابٍ.

وَقَوْلُهُ: لَا أُحِبُّ الْحُبُّ فِيهِ بِمَعْنَى الرِّضَى وَالْإِرَادَةِ، أَيْ لَا أَرْضَى بِالْآفِلِ إِلَهًا، أَوْ لَا أُرِيدُ الْآفِلَ إِلَهًا. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْمَحَبَّةِ هُوَ إِرَادَتُهُ إِلَهًا لَهُ بِقَوْلِهِ: هَذَا رَبِّي.

وَإِطْلَاقُ الْمُحِبَّةِ عَلَى الْإِرَادَةِ شَائِعٌ فِي الْكَلَامِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [التَّوْبَة: ١٠٨] . وَقَدَّرَهُ فِي «الْكَشَّافِ» بِحَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ لَا أُحِبُّ عِبَادَةَ الْآفِلِينَ.

وَجَاءَ بِ الْآفِلِينَ بِصِيغَةِ جَمْعِ الذُّكُورِ الْعُقَلَاءِ الْمُخْتَصِّ بِالْعُقَلَاءِ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِ قَوْمِهِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ عَاقِلَةٌ مُتَصَرِّفَةٌ فِي الْأَكْوَانِ، وَلَا يَكُونُ الْمَوْجُودُ مَعْبُودًا إِلَّا وَهُوَ عَالِمٌ.

وَوجه الِاسْتِدْلَال بالأقوال عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْإِلَهِيَّةِ أَنَّ الْأُفُولَ مَغِيبٌ وَابْتِعَادٌ عَنِ النَّاسِ، وَشَأْنُ الْإِلَهِ أَنْ يَكُونَ دَائِمَ الْمُرَاقَبَةِ لِتَدْبِيرِ عِبَادِهِ فَلَمَّا أَفَلَ النَّجْمُ كَانَ فِي حَالَةِ أُفُولِهِ مَحْجُوبًا عَنِ الِاطِّلَاعِ عَلَى النَّاسِ، وَقَدْ بَنَى هَذَا الِاسْتِدْلَالَ عَلَى مَا هُوَ شَائِعٌ عِنْدَ الْقَوْمِ مِنْ كَوْنِ أُفُولِ النَّجْمِ مَغِيبًا عَنْ هَذَا الْعَالَمِ، يَعْنِي أَنَّ مَا يَغِيبُ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُتَّخَذَ إِلَهًا