للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ، أَيْ لَكِنْ أَخَافُ مَشِيئَةَ رَبِّي شَيْئًا مِمَّا أَخَافُهُ، فَذَلِكَ أَخَافُهُ. وَفِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ زِيَادَةُ نِكَايَةٍ لِقَوْمِهِ إِذْ كَانَ لَا يَخَافُ آلِهَتَهُمْ فِي حِينِ أَنَّهُ يَخْشَى رَبَّهُ الْمُسْتَحِقَّ لِلْخَشْيَةِ إِنْ كَانَ قَوْمُهُ لَا يَعْتَرِفُونَ بِرَبٍّ غَيْرِ آلِهَتِهِمْ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ.

وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَمُتَابِعُوهُ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلًا مُفْرَغًا عَنْ مُسْتَثْنًى مِنْهُ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، فَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ أَوْقَاتٍ، أَيْ لَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ أَبَدًا، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ الْمَنْفِيَّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى وَجْهِ عُمُومِ الْأَزْمِنَةِ لِأَنَّهُ كَالنَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ، أَيْ إِلَّا وَقْتَ مَشِيئَةِ رَبِّي شَيْئًا أَخَافُهُ مِنْ شُرَكَائِكُمْ، أَيْ بِأَنْ يُسَلِّطَ رَبِّي بَعْضَهَا عَلَيَّ فَذَلِكَ مِنْ قُدْرَةِ رَبِّي بِوَاسِطَتِهَا لَا مِنْ قُدْرَتِهَا عَلَيَّ. وَجَوَّزَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَحْوَالًا عَامَّةً، أَيْ إِلَّا حَالَ مَشِيئَةِ رَبِّي شَيْئًا أَخَافُهُ مِنْهَا.

وَجُمْلَةُ: وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِجُ فِي نُفُوسِهِمْ:

كَيْفَ يَشَاءُ رَبُّكَ شَيْئًا تَخَافُهُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ قَائِمٌ بِمَرْضَاتِهِ وَمُؤَيِّدٌ لِدِينِهِ فَمَا هَذَا إِلَّا شَكٌّ فِي أَمْرِكَ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ، أَيْ إِنَّمَا لَمْ آمَنْ إِرَادَةَ اللَّهِ بِي ضُرًّا وَإِنْ كَنْتُ عَبْدَهُ وَنَاصِرَ دِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحِكْمَةِ إِلْحَاقِ الضُّرِّ. أَوِ النَّفْعِ بِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. وَهَذَا مَقَامُ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ [الْأَعْرَاف: ٩٩] .

وَجُمْلَةُ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ.

وَقُدِّمَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى فَاءِ الْعَطْفِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ لِعَدَمِ تَذَكُّرِهِمْ مَعَ وُضُوحِ دَلَائِلِ التَّذَكُّرِ. وَالْمُرَادُ التَّذَكُّرُ فِي صِفَاتِ آلِهَتِهِمُ الْمُنَافِيَةِ لِمَقَامِ الْإِلَهِيَّةِ، وَفِي صِفَاتِ الْإِلَهِ الْحَقِّ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا مصنوعاته.