وَإِضَافَةُ الْحُجَّةِ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِهَا وَصِحَّتِهَا.
وآتَيْناها فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ مِنَ الْخَبَرِ. وَحَقِيقَةُ الْإِيتَاءِ الْإِعْطَاءُ، فَحَقُّهُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى الذَّوَاتِ، وَيَكُونُ بِمُنَاوَلَةِ الْيَدِ إِلَى الْيَدِ. قَالَ تَعَالَى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى [الْبَقَرَة: ١٧٧] ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: الْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُعْطِيَةُ وَالْيَدُ السُّفْلَى هِيَ الْمُعْطَاةُ. وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا شَائِعًا فِي تَعْلِيمِ الْعُلُومِ وَإِفَادَةِ الْآدَابِ الصَّالِحَةِ وَتَخْوِيلِهَا وَتَعْيِينِهَا لِأَحَدٍ دُونَ مُنَاوَلَةِ يَدٍ سَوَاءٌ كَانَتِ الْأُمُورُ الْمَمْنُوحَةُ ذَوَاتًا أَمْ مَعَانِيَ.
يُقَالُ: آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، وَيُقَالُ: آتَاهُ الْخَلِيفَةُ إِمَارَةً وآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [الْبَقَرَة: ٢٥٨] ، وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ [ص: ٢٠] . فَإِيتَاءُ الْحُجَّةِ إِلْهَامُهُ إِيَّاهَا وَإِلْقَاءُ مَا يُعَبِّرُ عَنْهَا فِي نَفْسِهِ. وَهُوَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِذْ نَصَرَهُ عَلَى مُنَاظِرِيهِ.
وعَلى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ تَشْبِيهُ الْغَالِبِ بِالْمُسْتَعْلِي الْمُتَمَكِّنِ مِنَ الْمَغْلُوبِ، وَهِي متعلّقة ب حُجَّتُنا خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ. يُقَالُ: هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْكَ وَشَاهِدٌ عَلَيْكَ، أَيْ تِلْكَ حُجَّتُنَا عَلَى قَوْمِهِ أَقْحَمْنَاهُمْ بِهَا بِوَاسِطَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِ آتَيْناها لِمَا يَتَضَمَّنُهُ الْإِيتَاءُ مِنْ مَعْنَى النَّصْرِ.
وَجُمْلَةُ: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ فِي آتَيْناها أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِيتَاءِ تَفْضِيلٌ لِلْمُؤْتَى وَتَكْرِمَةً لَهُ. وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ تَمْثِيلٌ لِتَفْضِيلِ الشَّأْنِ، شُبِّهَتْ حَالَةُ الْمُفَضَّلِ عَلَى غَيْرِهِ بِحَالِ الْمُرْتَقِي فِي سُلَّمٍ إِذَا ارْتَفَعَ مِنْ دَرَجَةٍ إِلَى دَرَجَةٍ، وَفِي جَمِيعِهَا رَفْعٌ، وَكُلُّ أَجْزَاءِ هَذَا التَّمْثِيلِ صَالِحٌ لِاعْتِبَارِ تَفْرِيقِ التَّشْبِيهِ، فَالتَّفْضِيلُ يُشْبِهُ الرَّفْعَ، وَالْفَضَائِلُ الْمُتَفَاوِتَةُ تُشْبِهُ الدَّرَجَاتِ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ عِزَّةُ حُصُولِ ذَلِكَ لِغَالِبِ النَّاسِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، بِإِضَافَةِ دَرَجاتٍ إِلَى مَنْ. فَإِضَافَةُ الدَّرَجَاتِ إِلَى اسْمِ الْمَوْصُولِ بِاعْتِبَارِ مُلَابَسَةِ الْمُرْتَقِي فِي الدَّرَجَةِ لَهَا لِأَنَّهَا
إِنَّمَا تُضَافُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مُرْتَقِيًا عَلَيْهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute