مِنْ أَحْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَنْ تَكُونَ عِلْمِيَّةً إِذَا كَانَتِ الْحَالَةُ الْمَحْكِيَّةُ مِنْ أَحْوَالِ النَّزْعِ وَقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ عِنْدَ الْمَوْتِ.
وَمَفْعُولُ تَرى مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الظَّرْفُ الْمُضَافُ. وَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْ تَرَى الظَّالِمِينَ إِذْ هُمْ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ، أَيْ وَقْتَهُمْ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ، وَيَجُوزُ جَعْلُ (إِذِ) اسْمًا مُجَرَّدًا عَنِ الظَّرْفِيَّةِ فَيَكُونُ هُوَ الْمَفْعُولُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا [الْأَعْرَاف: ٨٦] فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ، وَلَوْ تَرَى زَمَنَ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ. وَيَتَعَيَّنُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ جَعْلُ الرُّؤْيَةِ عِلْمِيَّةً لِأَنَّ الزَّمَنَ لَا يُرَى.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ تَهْوِيلُ هَذَا الْحَالِ، وَلِذَلِكَ حَذَفَ جَوَابَ (لَوْ) كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي مَقَامِ التَّهْوِيلِ. وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ. وَالتَّقْدِيرُ: لَرَأَيْتَ أَمْرًا عَظِيمًا.
وَالْغَمْرَةُ- بِفَتْحِ الْغَيْنِ- مَا يَغْمُرُ، أَيْ يَغُمُّ مِنَ الْمَاءِ فَلَا يَتْرُكُ لِلْمَغْمُورِ مَخْلَصًا.
وَشَاعَتِ اسْتِعَارَتُهَا لِلشِّدَّةِ تَشْبِيهًا بِالشِّدَّةِ الْحَاصِلَةِ لِلْغَرِيقِ حِينَ يَغْمُرُهُ الْوَادِي أَوِ السَّيْلُ حَتَّى صَارَت الغمرة حَقِيقَة عُرْفِيَّةً فِي الشِّدَّةِ الشَّدِيدَةِ.
وَجَمْعُ الْغَمَرَاتِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِتَعَدُّدِ الْغَمَرَاتِ بِعَدَدِ الظَّالِمِينَ فَتَكُونُ صِيغَةُ الْجَمْعِ مُسْتَعْمَلَةً فِي حَقِيقَتِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِقَصْدِ الْمُبَالِغَةِ فِي تَهْوِيلِ مَا يُصِيبُهُمْ بِأَنَّهُ أَصْنَافٌ مِنَ الشَّدَائِدِ هِيَ لِتَعَدُّدِ أَشْكَالِهَا وَأَحْوَالِهَا لَا يُعَبَّرُ عَنْهَا بَاسِمٍ مُفْرَدٍ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَعِيدًا بِعَذَابٍ يَلْقَوْنَهُ فِي الدُّنْيَا فِي وَقْتِ النَّزْعِ. وَلَمَّا كَانَ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٌ جُعِلَتْ غَمْرَةُ الْمَوْتِ
غَمَرَاتٍ.
وَ (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى شِدَّةِ مُلَابَسَةِ الْغَمَرَاتِ لَهُمْ حَتَّى كَأَنَّهَا ظَرْفٌ يَحْوِيهِمْ وَيُحِيطُ بِهِمْ. فَالْمَوْتُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَغَمَرَاتُهُ هِيَ آلَامُ النَّزْعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute