وَقَدْ رَجَّحَ عَطْفُ هَذَا الْخَبَرِ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لِقَوْلِهِ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ أَيْ يَفْعَلُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا كَقَوْلِهِ بَعْدَهُ فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَاعِلُ اللَّيْلَ سَكَناً. وَجَعَلَهُ فِي «الْكَشَّافِ» عَطْفًا عَلَى فالِقُ الْحَبِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَضْمُونَ قَوْلِهِ: مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ لِمَضْمُونِ فالِقُ الْحَبِّ لِأَنَّ فَلْقَ الْحَبِّ يَنْشَأُ عَنْهُ إِخْرَاجُ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ لَا الْعَكْسُ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ عَلَاقَةَ وَصْفِ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ بِخَبَرِ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ أَقْوَى مِنْ عَلَاقَتِهِ بِخَبَرِ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى.
وَقَدْ جِيءَ بِجُمْلَةِ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ فِعْلِيَّةً لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَتَجَدَّدُ وَيَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ آنٍ، فَهُوَ مُرَادٌ مَعْلُومٌ وَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْمُصَادَفَةِ وَالِاتِّفَاقِ.
وَجِيءَ فِي قَوْلِهِ: وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ اسْمًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ، فَحَصَلَ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّ كِلَا الْفِعْلَيْنِ مُتَجَدِّدٌ وَثَابِتٌ، أَيْ كَثِيرٌ وَذَاتِيٌّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَ الْإِخْرَاجَيْنِ لَيْسَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ قَرِينِهِ فَكَانَ فِي الْأُسْلُوبِ شِبْهُ الِاحْتِبَاكِ.
وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكُمُ لِزِيَادَةِ التَّمْيِيزِ وَلِلتَّعْرِيضِ بِغَبَاوَةِ الْمُخَاطَبِينَ الْمُشْرِكِينَ لِغَفْلَتِهِمْ عَنْ هَذِهِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِلَهِيَّةِ، أَيْ ذَلِكُمُ الْفَاعِلُ الْأَفْعَالِ الْعَظِيمَةِ مِنَ الْفَلْقِ وَإِخْرَاجِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْخَلْقُ باسمه الْعَظِيم الدالّ عَلَى أَنَّهُ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ، الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ وَصْفُ الْإِلَهِيَّةِ فَلَا تَعْدِلُوا بِهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ غَيْرَهُ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِالتَّفْرِيعِ بِالْفَاءِ قَوْلَهُ: فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ.
وَالْأَفْكُ- بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ- مَصْدَرُ أَفَكَهُ يَأْفِكُهُ، مِنْ بَابِ ضَرَبَ، إِذَا صَرَفَهُ عَنْ مَكَانٍ أَوْ عَنْ عَمَلٍ، أَيْ فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنْ تَوْحِيدِهِ.
وَ (أَنَّى) بِمَعْنَى مِنْ أَيْنَ. وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ تَعْجِيبِيٌّ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ لَا يُوجَدُ مُوجِبٌ يَصْرِفُكُمْ عَنْ تَوْحِيدِهِ. وَبُنِيَ فِعْلُ تُؤْفَكُونَ لِلْمَجْهُولِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute