تَقْدِيرُهُ: لَكُمْ أَوْ مِنْكُمْ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: فَأَنْتُمْ مُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ. وَالْوَصْفُ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْحَاصِلِ بِهِ، أَيْ فَتَفَرَّعَ عَنْ إِنْشَائِكُمُ اسْتِقْرَارٌ وَاسْتِيدَاعٌ، أَيْ لَكُمْ.
وَعَلَى قِرَاءَةِ- كَسْرِ الْقَافِ- يَكُونُ الْمُسْتَقِرُّ اسْمَ فَاعِلٍ. وَالْمُسْتَوْدَعُ اسْمَ مَفْعُولٍ مِنِ اسْتَوْدَعَهُ بِمَعْنَى أَوْدَعَهُ، أَيْ فَمُسْتَقِرٌّ مِنْكُمْ أَقْرَرْنَاهُ فَهُوَ مُسْتَقِرٌّ، وَمُسْتَوْدَعٌ مِنْكُمْ وَدَّعْنَاهُ فَهُوَ مُسْتَوْدَعٌ. وَالِاسْتِقْرَارُ هُوَ الْقَرَارُ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ مِثْلُ اسْتَجَابَ. يُقَالُ: اسْتَقَرَّ فِي الْمَكَانِ بِمَعْنَى قَرَّ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٦٧] .
وَالِاسْتِيدَاعُ: طَلَبُ التَّرْكِ، وَأَصْلُهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَدْعِ، وَهُوَ التَّرْكُ عَلَى أَنْ يَسْتَرْجِعَ الْمُسْتَوْدَعَ. يُقَالُ: اسْتَوْدَعَهُ مَالًا إِذَا جَعَلَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةً، فَالِاسْتِيدَاعُ مُؤْذِنٌ بِوَضْعٍ مُوَقَّتٍ، وَالِاسْتِقْرَارُ مُؤْذِنٌ بِوَضْعٍ دَائِمٍ أَوْ طَوِيلٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِالِاسْتِقْرَارِ وَالِاسْتِيدَاعِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى انْهَمَا مُتَقَابِلَانِ. فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: الْمُسْتَقَرُّ الْكَوْنُ فَوْقَ الْأَرْضِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ الْكَوْنُ فِي الْقَبْرِ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الْكَلَامُ تَنْبِيهًا لَهُمْ بِأَنَّ حَيَاةَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا يَعْقُبُهَا الْوَضْعُ فِي الْقُبُورِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْوَضْعَ اسْتِيدَاعٌ مُوَقَّتٌ إِلَى الْبَعْثِ الَّذِي هُوَ الْحَيَاةُ الْأَوْلَى رَدًّا عَلَى الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمُسْتَقَرُّ فِي الرَّحِمِ وَالْمُسْتَوْدَعِ فِي صُلْبِ الرَّجُلِ، وَنُقِلَ هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَفَسَّرَ بِهِ الزَّجَّاجُ. قَالَ الْفَخْرُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ النُّطْفَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَبْقَى فِي صُلْبِ الْأَبِ زَمَانًا طَوِيلًا وَالْجَنِينُ يَبْقَى فِي رَحِمِ الْأُمِّ زَمَانًا طَوِيلًا. وَعَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ تَفْسِيرَاتٌ أُخْرَى لَا يُثْلَجُ لَهَا الصَّدْرُ أَعْرَضْنَا عَنِ التَّطْوِيلِ بِهَا. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُخَصِّصْ مَعْنًى دُونَ غَيْرِهِ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ بَنِي آدَمَ مُسْتَقِرًّا فِي الرَّحِمِ وَمُسْتَوْدَعًا فِي الصُّلْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُسْتَقِرٌّ
عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَوْ بَطْنِهَا وَمُسْتَوْدَعٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ، وَمِنْهُمْ مُسْتَقِرٌّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute