للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَمَّا نِسْبَتُهُمُ الْبَنِينَ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ حَكَاهَا عَنْهُمُ الْقُرْآنُ هُنَا. وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ نَسَبُوا إِلَيْهِ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْيَهُودَ فِي قَوْلِهِمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التَّوْبَة: ٣٠] ، وَلَا النَّصَارَى فِي قَوْلهم:

الْمَسِيحُ (١) ابْنُ اللَّهِ [التَّوْبَة: ٣٠] . كَمَا فَسَّرَ بِهِ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ السِّيَاقَ وَيُشَوِّشُ عَوْدَ الضَّمَائِرِ وَيَخْرِمُ نَظْمَ الْكَلَامِ. فَالْوَجْهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ نَسَبُوا لله الْبَنِينَ وَهُوَ الَّذِينَ تَلَقَّنُوا شَيْئًا مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا جَعَلُوا الشَّيْطَانَ مُتَوَلِّدًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْعَالَمَ تَفَكَّرَ فِي مَمْلَكَتِهِ وَاسْتَعْظَمَهَا فَحَصَلَ لَهُ عُجْبٌ تَوَلَّدَ عَنْهُ الشَّيْطَانُ، وَرُبَّمَا قَالُوا أَيْضًا: إِنَّ اللَّهَ شَكَّ فِي قُدْرَةِ نَفْسِهِ فَتَوَلَّدَ مِنْ شَكِّهِ الشَّيْطَانُ، فَقَدْ لَزِمَهُمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ مُتَوَلِّدٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ، فَلَزِمَهُمْ نِسْبَةُ الِابْنِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقُولُ بِأَنَّ الْجِنَّ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، أَوْ أَنَّ فِي الْمَلَائِكَةِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَلَقَدْ يَنْجَرُّ لَهُمْ هَذَا الِاعْتِقَادِ مِنَ الْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ أَبْنَاءَ اللَّهِ. فَقَدْ جَاءَ فِي أَوَّلِ الْإِصْحَاحِ السَّادِسِ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ «وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الْأَرْضِ وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ أَنَّ أَبْنَاءَ اللَّهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ فَاتَّخَذُوا لِأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا وَإِذْ دَخَلَ بَنُو اللَّهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلَادًا هَؤُلَاءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ» . وَأَمَّا نِسْبَتُهُمُ الْبَنَاتِ إِلَى اللَّهِ فَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي الْعَرَبِ إِذْ جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا، وَقَالُوا: هُنَّ بَنَاتُ اللَّهِ.

وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ مُتَعَلِّقٌ بِ خَرَقُوا، أَيِ اخْتَلَقُوا اخْتِلَاقًا عَنْ جَهْلٍ وَضَلَالَةٍ، لِأَنَّهُ اخْتِلَاقٌ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ فَقَدْ رَمَوْا بِقَوْلِهِمْ عَنْ عَمًى وَجَهَالَةٍ. فَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ الصَّحِيحِ، وَهُوَ حُكْمُ الذِّهْنِ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ عَنْ ضَرُورَةٍ أَوْ بُرْهَانٍ.


(١) فِي المطبوعة: (عِيسَى ابْن الله) وَهُوَ خطأ، والمثبت هُوَ الْمُوَافق لرسم الْمُصحف.