وَلِذَلِكَ عَقَّبَ قَوْلَهُمُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الْبَقَرَة: ١١٦] . بِقَوْلِهِ: سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١١٦] . وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ [١] .
وَجُمْلَةُ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّعْلِيلِ لِمَضْمُونِ التَّنْزِيهِ مِنَ الْإِبْطَالِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُعْطَفْ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا لِاخْتِلَافِ طَرِيقِ الْإِبْطَالِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى أَبْطَلَتْ دَعْوَاهُمْ مِنْ جِهَةِ فَسَادِ الشُّبْهَةِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ النَّقْضِ فِي الْمُنَاظَرَةِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أَبْطَلَتِ الدَّعْوَى مِنْ جِهَةِ إِبْطَالِ الْحَقِيقَةِ فَكَأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ خَطَأِ الدَّلِيلِ، لِأَنَّ قَوْلَهُمْ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ وَالْجِنَّ أَبْنَاءُ اللَّهِ يَتَضَمَّنُ دَلِيلًا محذوفا على النبوّة وَهُوَ أَنَّهُمْ مَخْلُوقَاتٌ شَرِيفَةٌ، فَأَبْطَلَ ذَلِكَ بِالِاسْتِدْلَالِ بِمَا يُنَافِي الدَّعْوَى وَهُوَ انْتِفَاءُ الزَّوْجَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْوِلَادَةِ، فَهَذَا الْإِبْطَالُ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْمُنَاظَرَةِ. وأَنَّى بِمَعْنَى مِنْ أَيْنَ وَبِمَعْنَى كَيْفَ.
وَالْوَاوُ فِي وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَاوُ الْحَالِ لِأَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ لِلْمُخَاطَبِينَ فَلِذَلِكَ جِيءَ بِهِ فِي صِيغَةِ الْحَالِ.
وَالصَّاحِبَةُ: الزَّوْجَةُ لِأَنَّهَا تُصَاحِبُ الزَّوْجَ فِي مُعْظَمِ أَحْوَالِهِ. وَقَدْ جَعَلَ انْتِفَاءَ الزَّوْجَةِ مُسَلَّمًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدَّعُوهُ فَلَزِمَهُمُ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ التَّوَلُّدِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُحَاجَّةِ الْعُرْفِيَّةِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمَعْلُومُ فِي حَقِيقَةِ الْوِلَادَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِهَا وَهُوَ التَّوْصِيفُ بِصِفَاتِ الْعَظَمَةِ وَالْقُدْرَةِ، فَبَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ تَعَالَى مُبْدِعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، أَيْ كُلُّ مَوْجُودٍ فَيَشْمَلُ ذَوَاتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَشَمِلَ مَا فِيهِمَا، وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَحْوِيهِ السَّمَاوَاتُ، وَالْجِنُّ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَحْوِيهِ الْأَرْضُ عِنْدَهُمْ، فَهُوَ خَالِقُ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ، وَالْخَالِقُ لَا يَكُونُ أَبًا كَمَا عَلِمْتَ. فَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ إِبْطَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute