للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ سُمِّي الْإِثْمُ وِزْرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ [الْأَنْعَام: ٣١] ، وَقَدْ جَاءَ اللَّامُ فِي مَوْضِعِ (عَلَى) فِي بَعْضِ الْآيَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الْإِسْرَاء: ٧] .

وَفِي الْآيَةِ مُحَسِّنُ جِنَاسِ الِاشْتِقَاقِ بَين «البصائر» و «أبْصر» ، وَمُلَاحَظَةِ مُنَاسِبَةِ فِي الْإِبْصَارِ وَالْبَصَائِر. وَفِيهَا مُحَسِّنُ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَبْصَرَ وعَمِيَ، وَبَيْنَ (اللَّامِ) وَ (عَلَى) .

ويتعلّق قَوْله: فَلِنَفْسِهِ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ الشَّرْطِ. وَتَقْدِيرُهُ: فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ أَبْصَرَ. وَاقْتَرَنَ الْجَوَابُ بِالْفَاءِ نَظَرًا لِصَدْرِهِ إِذْ كَانَ اسْمًا مَجْرُورًا وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ لِأَنْ يَلِيَ أَدَاةَ الشَّرْطِ.

وَإِنَّمَا نُسِجَ نَظْمُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا النَّسْجِ للإيذان بأنّ فَلِنَفْسِهِ مُقَدَّمٌ فِي التَّقْدِيرِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ الْمَحْذُوفِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَلِنَفْسِهِ أَبْصَرَ، وَلَوْلَا قَصْدُ الْإِيذَانِ بِهَذَا التَّقْدِيمِ لَقَالَ: فَمَنْ أَبْصَرَ أَبْصَرَ لِنَفْسِهِ، كَمَا قَالَ: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ [الْإِسْرَاء: ٧] وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ هُنَا لِيُفِيدَ الْقَصْرَ، أَيْ فَلِنَفْسِهِ أَبْصَرَ لَا لِفَائِدَةِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يغيظون النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ دَعْوَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى الْهُدَى، وَقَرِينَةُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَقُولٌ من النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى هَذَا صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» ، بِخِلَافِ آيَةِ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ [الْإِسْرَاء: ٧] ، فَإِنَّهَا حَكَتْ كَلَامًا خُوطِبَ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُمْ لَا يَتَوَهَّمُونَ أَنَّ إِحْسَانَهُمْ يَنْفَعُ اللَّهَ أَوْ إِسَاءَتَهُمْ تَضُرُّ اللَّهَ.

وَالْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها نَظِيرُ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ. وَعُدِّيَ فِعْلُ عَمِيَ بِحَرْفِ (عَلَى) لِأَنَّ الْعَمَى لَمَّا كَانَ مَجَازًا كَانَ ضُرًّا يَقَعُ عَلَى صَاحِبِهِ.

وَجُمْلَةُ: وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ تَكْمِيلٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها، أَيْ فَلَا يَنَالُنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَلَا يَرْجِعُ لِي نَفْعُكُمْ وَلَا يَعُودُ عَلَيَّ ضُرُّكُمْ وَلَا أَنَا وَكِيلٌ عَلَى نَفْعِكُمْ وَتَجَنُّبِ ضُرِّكُمْ فَلَا تَحْسَبُوا أَنَّكُمْ حَتَّى تَمْكُرُونَ بِي بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْهُدَى وَالِاسْتِمْرَارِ فِي الضَّلَالِ.