للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَا لِأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْعُصَاةِ، وَلِذَلِكَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الِاعْتِذَارَ بِمِثْلِ هَذَا فِي قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا [الْأَنْعَام: ١٤٨] الْآيَةَ. وَفِي قَوْلِهِ: وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ مَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الزخرف: ٢٠] فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ (١) ، لِأَنَّ هَذِهِ حَقِيقَةٌ كَاشِفَةٌ عَنِ الْوَاقِعِ لَا تَصْلُحُ عُذْرًا لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَكُونُوا فِي عِدَادِ الَّذِينَ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ أَنْ يُرْشِدَهُمْ، قَالَ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ [الْمَائِدَة: ٤١] .

وَمَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ (لَوْ) عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَعْرُوفَةِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ عَدَمَ إِشْرَاكِهِمْ مَا أَشْرَكُوا. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٣٥] .

وَقَوْلُهُ: وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً تَذْكِيرٌ وَتَسْلِيَةٌ لِيُزِيحَ عَنْهُ كَرْبَ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْكَدَرِ لِإِعْرَاضِ قَوْمِهِ عَنِ الْإِسْلَامِ يَجْعَلُ فِي نَفْسِهِ انْكِسَارًا كَأَنَّهُ انْكِسَارُ مَنْ عُهِدَ إِلَيْهِ بِعَمَلٍ فَلَمْ يَتَسَنَّ لَهُ مَا يُرِيدُهُ مِنْ حُسْنِ الْقِيَامِ، فَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْهُ مُكْرِهًا لَهُمْ لِيَأْتِيَ بِهِمْ مُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا بَعَثَهُ مُبَلِّغًا

لِرِسَالَتِهِ فَمَنْ آمَنَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهَا.

وَالْحَفِيظُ: الْقَيِّمُ الرَّقِيبُ، أَيْ لَمْ نَجْعَلْكَ رَقِيبًا عَلَى تَحْصِيلِ إِيمَانِهِمْ فَلَا يُهِمَّنَّكَ إِعْرَاضُهُمْ عَنْكَ وَعَدَمُ تَحْصِيلِ مَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ إِذْ لَا تَبِعَةَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ، فَالْخَبَرُ مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّذْكِيرِ وَالتَّسْلِيَةِ، لَا مَسَاقَ الْإِفَادَةِ لِأَنَّ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ مَا جَعَلَهُ حَفِيظًا عَلَى تَحْصِيلِ إِسْلَامِهِمْ إِذْ لَا يَجْهَلُ الرَّسُولُ مَا كُلِّفَ بِهِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ تَهْوِينٌ عَلَى نَفْسِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِطَرِيقَةِ التَّذْكِيرِ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ الْغَمُّ الْحَاصِلُ لَهُ مِنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ.


(١) فِي المطبوعة: (فصلت) وَهُوَ خطأ.