للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ سبّ النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ إِنْ صَدَرَ مِنْهُمْ مَا هُوَ مِنْ أُصُولِ كُفْرِهِمْ فَلَا يُعَدُّ سَبًّا وَإِنْ تَجَاوَزُوا ذَلِكَ عُدَّ سَبًّا، وَيُعَبِّرُ عَنْهَا الْفُقَهَاءُ بِقَوْلِهِمْ: «مَا بِهِ كُفْرٌ وَغَيْرُ مَا بِهِ كُفْرٍ» .

وَقَدِ احْتَجَّ عُلَمَاؤُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِثْبَاتِ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِمَسْأَلَةِ سَدِّ الذَّرَائِعِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: «مَنَعَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَحَدًا أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا جَائِزًا يُؤَدِّي إِلَى مَحْظُورٍ وَلِأَجْلٍ هَذَا تَعَلَّقَ عُلَمَاؤُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ وَهُوَ كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ فِي الظَّاهِرِ يُؤَوَّلُ أَوْ يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى مَحْظُورٍ» . وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٦٣] عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذِه الْآيَة أصل من أصُول إِثْبَات الذّرائع الّتي انْفَرد بهَا مَالِكٌ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَتَابَعَهُ عَلَيْهَا أَحْمَدُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ وَخَفِيَتْ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- مَعَ تَبَحُّرِهِمَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ كُلُّ عَمَلٍ ظَاهِرِ الْجَوَازِ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَحْظُورٍ اهـ. وَفَسَّرَ الْمَازِرِيُّ فِي بَابِ بُيُوعِ الْآجَالِ مِنْ «شَرْحِهِ لِلتَّلْقِينِ» سَدَّ الذَّرِيعَةِ بِأَنَّهُ مَنْعُ مَا يَجُوزُ لِئَلَّا يُتَطَرَّقَ بِهِ إِلَى مَا لَا يَجُوزُ اهـ. وَالْمُرَادُ: سَدُّ ذَرَائِعِ الْفَسَادِ، كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْقَرَافِيُّ فِي «تَنْقِيحِ الْفُصُولِ» وَفِي «الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالْخَمْسِينَ» فَقَالَ: الذَّرِيعَةُ: الْوَسِيلَةُ إِلَى الشَّيْءِ. وَمَعْنَى سَدِّ الذَّرَائِعِ حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ.

وَأَجْمَعْتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الذَّرَائِعَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مُعْتَبَرٌ إِجْمَاعًا كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي

طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلْقَاءِ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ وَسَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَئِذٍ. وَثَانِيهَا: مُلْغًى إِجْمَاعًا كَزِرَاعَةِ الْعِنَبِ فَإِنَّهَا لَا تُمْنَعُ لِخَشْيَةِ الْخَمْرِ، وَكَالشَّرِكَةِ فِي سُكْنَى الدُّورِ خَشْيَةَ الزِّنَا. وَثَالِثُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَبُيُوعِ الْآجَالِ، فَاعْتَبَرَ مَالِكٌ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الذَّرِيعَةَ فِيهَا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ اهـ. وَعَنَى بِالْمُخَالِفِ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-.

وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَنْدَرِجُ تَحْتَ قَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ وَالْمَقَاصِدِ، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ