للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْحَشْرُ:

الْجَمْعُ، وَمِنْهُ: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ [النَّمْل: ١٧] . وَضُمِّنَ مَعْنَى الْبَعْثِ والإرسال فعدّي بعلى كَمَا قَالَ تَعَالَى: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا [الْإِسْرَاء: ٥] . وكُلَّ شَيْءٍ يَعُمُّ الْمَوْجُودَاتِ كُلَّهَا. لَكِنَّ الْمَقَامَ يُخَصِّصُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مِمَّا سَأَلُوهُ، أَوْ مِنْ جِنْسِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَالْآيَاتِ، فَهَذَا مِنَ الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى، فِي رِيحِ عَادٍ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها [الْأَحْقَاف: ٢٥] وَالْقَرِينَةُ هِيَ مَا ذَكَرَ قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى.

وَقَوْلُهُ: قُبُلًا قَرَأَهُ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ- بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ-، وَهُوَ

بِمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ وَالْمُوَاجَهَةِ، أَيْ حَشَرْنَا كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِيَانًا. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ- بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ- وَهُوَ لُغَةٌ فِي قِبَلَ بِمَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ وَالْمُعَايَنَةِ وَتَأَوَّلَهَا بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ بِتَأْوِيلَاتٍ أُخْرَى بَعِيدَةٍ عَنِ الِاسْتِعْمَالِ، وَغَيْرِ مُنَاسِبَةٍ لِلْمَعْنَى.

وَمَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا هُوَ أَشَدُّ مِنْ (لَا يُؤْمِنُونَ) تَقْوِيَةً لِنَفْيِ إِيمَانِهِمْ، مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ، لِأَنَّهُمْ مُعَانِدُونَ مُكَابِرُونَ غَيْرُ طَالِبِينَ لِلْحَقِّ، لِأَنَّهُمْ لَوْ طَلَبُوا الْحَقَّ بِإِنْصَافٍ لَكَفَتْهُمْ مُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ، إِنْ لَمْ يَكْفِهِمْ وُضُوحُ الْحَقِّ فِيمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. فَالْمَعْنَى:

الْإِخْبَارُ عَنِ انْتِفَاءِ إِيمَانِهِمْ فِي أَجْدَرِ الْأَحْوَالِ بِأَنْ يُؤْمِنَ لَهَا مَنْ يُؤْمِنُ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ. وَالْمَقْصُودُ انْتِفَاءُ إِيمَانِهِمْ أَبَدًا.

وَلَوْ هَذِهِ هِيَ الْمُسَمَّاةُ لَوْ الصُّهَيْبِيَّةُ، وَسَنَشْرَحُ الْقَوْلَ فِيهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٢٣] .

وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عُمُومُ نَفْيِ إِيمَانِهِمْ، فَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، أَيْ حَالُ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَغْيِيرَ قُلُوبِهِمْ فَيُؤْمِنُوا طَوْعًا، أَوْ أَنْ يُكْرِهَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِأَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ