للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (شَياطِينَ) بَدَلٌ مِنْ عَدُوًّا وَإِنَّمَا صِيغَ التَّرْكِيبُ هَكَذَا: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَوَّلَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَعدَاء للرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ أَعْرَبَ شَياطِينَ مَفْعُولا لجعل ولِكُلِّ نَبِيٍّ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِ عَدُوًّا فَقَدْ أَفْسَدَ الْمَعْنَى.

وَالْعَدُوُّ: اسْمٌ يَقَعُ على الْوَاحِد والمعتدّد، قَالَ تَعَالَى: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [المُنَافِقُونَ: ٤] وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٩٢] .

وَالشَّيْطَانُ أَصْلُهُ نَوْعٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ الْمُجَرَّدَةِ الْخَفِيَّةِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ جِنْسِ الْجِنِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ [الْبَقَرَة: ١٠٢] .

وَيُطْلَقُ الشَّيْطَانُ عَلَى الْمُضَلِّلِ الَّذِي يَفْعَلُ الْخَبَائِثَ مِنَ النَّاسِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ. وَمِنْهُ «شَيَاطِينُ الْعَرَبِ» لِجَمَاعَةٍ مِنْ خَبَاثِهِمْ، مِنْهُمْ: نَاشِبٌ الْأَعْوَرُ، وَابْنُهُ سَعْدُ بْنُ نَاشِبٍ الشَّاعِرُ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَشَاعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ.

وَالْإِنْسُ: الْإِنْسَانُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّأَنُّسِ وَالْإِلْفِ، لِأَنَّ الْبَشَرَ يَأْلَفُ بِالْبَشَرِ وَيَأْنَسُ بِهِ، فَسَمَّاهُ إِنْسًا وَإِنْسَانًا.

وَ «شَيَاطِينَ الْإِنْسِ» اسْتِعَارَةٌ لِلنَّاسِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ فِعْلَ الشَّيَاطِينِ: مِنْ مَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ.

وَإِضَافَةُ شَيَاطِينَ إِلَى الْإِنْسِ إِضَافَةٌ مَجَازِيَّةٌ عَلَى تَقْدِيرِ (مِنْ) التَّبْعِيضِيَّةِ مَجَازًا، بِنَاءً عَلَى الِاسْتِعَارَةِ الَّتِي تَقْتَضِي كَوْنَ هَؤُلَاءِ الْإِنْسِ شَيَاطِينَ، فَهُمْ شَيَاطِينُ، وَهُمْ بَعْضُ الْإِنْسِ، أَيْ أَنَّ الْإِنْسَ: لَهُمْ أَفْرَادٌ مُتَعَارَفَةٌ، وَأَفْرَادٌ غَيْرُ مُتَعَارَفَةٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِمُ اسْمُ الشَّيَاطِينِ، فَهِيَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مِنْ إِضَافَةِ الْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ إِلَى الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ، وَشَيَاطِينُ الْجِنِّ حَقِيقَة، وَالْإِضَافَة حَقِيقَةٌ، لِأَنَّ الْجِنَّ مِنْهُمْ شَيَاطِينٌ، وَمِنْهُمْ غَيْرُ شَيَاطِينٍ، وَمِنْهُمْ صَالِحُونَ، وَعَدَاوَةُ شَيَاطِينِ الْجِنِّ لِلْأَنْبِيَاءِ ظَاهِرَةٌ، وَمَا جَاءَتِ الْأَنْبِيَاءُ إِلَّا لِلتَّحْذِيرِ مِنْ فِعْلِ الشَّيَاطِينِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِآدَمَ: إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ [طه: ١١٧] .