فَأَنْزَلَ اللَّهُ:
فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الْأَنْعَام: ١١٨] الْآيَةَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. فَمِنْ هَذَا وَنَحْوِهِ حَذَّرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَثَبَّتَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَإِنْ كَانُوا قَلِيلًا. كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [الْمَائِدَة: ١٠٠] .
وَالطَّاعَةُ: اسْمٌ لِلطَّوْعِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ طَاعَ يَطُوعُ، بِمَعْنَى انْقَادَ وَفِعْلُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ عَن رضى دُونَ مُمَانَعَةٍ، فَالطَّاعَةُ ضِدُّ الْكُرْهِ. وَيُقَالُ: طَاعَ وَأَطَاعَ، وَتُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي قَبُولِ الْقَوْلِ، وَمِنْهُ مَا
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ»
، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ [غَافِر: ١٨] أَيْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمَشْفُوعَ إِلَيْهِ أَرْفَعُ مِنَ الشَّفِيعِ فَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَمْتَثِلُ إِلَيْهِ. وَالطَّاعَةُ هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَهُوَ قَبُولُ الْقَوْلِ.
وأَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ هُمْ أَكْثَرُ سُكَّانِ الْأَرْضِ. وَالْأَرْضُ: يُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ الَّتِي يَعِيشُ عَلَى وَجْهِهَا الْإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ وَالنَّبَاتُ، وَهِيَ الدُّنْيَا كُلُّهَا. وَيُطْلَقُ الْأَرْضُ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ مَعْهُودٌ بَيْنَ الْمُخَاطَبِينَ وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ [الْإِسْرَاء: ١٠٤] يَعْنِي الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [الْمَائِدَة: ٣٣] أَيِ الْأَرْضِ الَّتِي حَارَبُوا اللَّهَ فِيهَا.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ الْمَعْنَى الْمَشْهُورُ وَهُوَ جَمِيعُ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ كَمَا هُوَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: أُرِيدَ بِهَا مَكَّةَ لِأَنَّهَا الْأَرْضُ الْمَعْهُودَةُ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَأَيَّا مَا كَانَ فَأَكْثَرُ مَنْ فِي الْأَرْضِ ضَالُّونَ مُضِلُّونَ: أَمَّا الْكُرَةُ الْأَرْضِيَّةُ فَلِأَنَّ جَمْهَرَةَ سُكَّانِهَا أَهْلُ عَقَائِدَ ضَالَّةٍ، وَقَوَانِينَ غَيْرِ عَادِلَةٍ.
فَأَهْلُ الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ: فِي أَمْرِ الْإِلَهِيَّةِ: كَالْمَجُوسِ، وَالْمُشْرِكِينَ، وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَعَبَدَةِ الْكَوَاكِبِ، وَالْقَائِلِينَ بِتَعَدُّدِ الْإِلَهِ وَفِي أَمْرِ النُّبُوَّةِ: كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute