وَالشَّرْحُ حَقِيقَتُهُ شَقُّ اللَّحْمِ، وَالشَّرِيحَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ تُشَقُّ حَتَّى تُرَقَّقَ لِيَقَعَ شَيُّهَا.
وَاسْتُعْمِلَ الشَّرْحُ فِي كَلَامِهِمْ مَجَازًا فِي الْبَيَانِ وَالْكَشْفِ، وَاسْتُعْمِلَ أَيْضًا مَجَازًا فِي انْجِلَاءِ الْأَمْرِ، وَيَقِينِ النَّفْسِ بِهِ، وَسُكُونِ الْبَالِ لِلْأَمْرِ، بِحَيْثُ لَا يُتَرَدَّدُ فِيهِ وَلَا يُغْتَمُّ مِنْهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ التَّفْسِيرَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشَّرْح: ١] .
وَالصَّدْرُ مُرَادٌ بِهِ الْبَاطِنُ، مَجَازًا فِي الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ بِعَلَاقَةِ الْحُلُولِ، فَمَعْنَى يَشْرَحْ صَدْرَهُ يَجْعَلْ لِنَفْسِهِ وَعَقْلِهِ اسْتِعْدَادًا وَقَبُولًا لِتَحْصِيلِ الْإِسْلَامِ، وَيُوَطِّنُهُ لِذَلِكَ حَتَّى يَسْكُنَ إِلَيْهِ وَيَرْضَى بِهِ، فَلِذَلِكَ يُشَبَّهُ بِالشَّرْحِ، وَالْحَاصِلُ لِلنَّفْسِ يُسَمَّى انْشِرَاحًا، يُقَالُ: لَمْ تَنْشَرِحْ نَفْسِي لِكَذَا، وَانْشَرَحَتْ لِكَذَا. وَإِذَا حَلَّ نُورُ التَّوْفِيقِ فِي الْقَلْبِ كَانَ الْقَلْبُ كَالْمُتَّسِعِ، لِأَنَّ الْأَنْوَارَ تُوَسِّعُ مَنَاظِرَ الْأَشْيَاءِ.
رَوَى الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ نَاسًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَشْرَحُ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ- فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُدْخِلُ فِيهِ النُّورَ فَيَنْفَسِحُ- قَالُوا- وَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَةٍ يُعْرَفُ بهَا- قَالَ- الْإِنَابَة إِلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالتَّنَحِّي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ الْفَوْتِ» .
وَمَعْنَى: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ مَنْ يُرِدْ دَوَامَ ضَلَالِهِ بِالْكُفْرِ، أَوْ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ عَنِ الِاهْتِدَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَالْمُرَادُ ضَلَالٌ مُسْتَقْبَلٌ، إِمَّا بِمَعْنَى دَوَامِ الضَّلَالِ الْمَاضِي، وَإِمَّا بِمَعْنَى ضَلَالٍ عَنْ قَبُولِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُضِلَّهُ بِكُفْرِهِ الْقَدِيمِ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ مَضَى وَتَقَرَّرَ.
وَالضَّيِّقُ- بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِوَزْنِ فَيْعِلَ- مُبَالَغَةٌ فِي وَصْفِ الشَّيْءِ بِالضِّيقِ، يُقَالُ ضَاقَ ضِيقًا- بِكَسْرِ الضَّادِ- وَضَيْقًا- بِفَتْحِهَا- وَالْأَشْهَرُ كَسْرُ الضَّادِ فِي الْمَصْدَرِ وَالْأَقْيَسُ الْفَتْحُ وَيُقَالُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ بِوَزْنِ فَعْلٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ مَيِّتٍ وَمَيْتٍ، وَهُمَا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ زِنَتُهُمَا، وَكَانَتْ زِنَةُ فَيْعِلٍ فِي الْأَصْلِ تُفِيدُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي حُصُولِ الْفِعْلِ مَا لَا تُفِيدُهُ زِنَةُ فَعْلٍ، فَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ سَوَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute