الْإِطْبَاقِ، كَمَا هُنَا، فَإِنَّهُ أُرِيدَ تَخْفِيفُ أَحَدِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ الْمُتَوَالِيَةِ مِنْ (يَتَصَعَّدُ) ، فَسُكِّنَتِ التَّاءُ ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي الصَّادِ إِدْغَامَ الْمُقَارِبِ لِلتَّخْفِيفِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ:
يَصَّعَّدُ- بِسُكُونِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ، مُخَفَّفًا. وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ: يَصَّاعَدُ- بِتَشْدِيدِ الصَّادِ بَعْدَهَا أَلِفٌ- وَأَصْلُهُ يَتَصَاعَدُ.
وَجُمْلَةُ كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ: صَدْرَهُ أَوْ مِنْ صَدْرِهِ، مُثِّلَ حَالُ الْمُشْرِكِ حِينَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ حِينَ يَخْلُو بِنَفْسِهِ، فَيَتَأَمَّلُ فِي دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ، بِحَالِ الصَّاعِدِ، فَإِنَّ الصَّاعِدَ يَضِيقُ تَنَفُّسُهُ فِي الصُّعُودِ، وَهَذَا تَمْثِيلُ هَيْئَةٍ مَعْقُولَةٍ بِهَيْئَةٍ مُتَخَيَّلَةٍ، لِأَنَّ الصُّعُودَ فِي السَّمَاءِ غَيْرُ وَاقِعٍ.
وَالسَّمَاءُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَاهُ الْمُتَعَارَفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّمَاءُ أُطْلِقَ عَلَى الْجَوِّ الَّذِي يَعْلُو الْأَرْضَ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: «لَا يَكُونُ السَّمَاءُ الْمُظِلَّةَ لِلْأَرْضِ، وَلَكِنْ كَمَا
قَالَ سِيبَوَيْهِ (١) الْقَيْدُودُ الطَّوِيلُ فِي غَيْرِ سَمَاءٍ- أَيْ فِي غَيْرِ ارْتِفَاعٍ صَعَدًا» أَرَادَ أَبُو عَلِيٍّ الِاسْتِظْهَارَ بِكَلَامِ سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّ اسْمَ السَّمَاءِ يُقَالُ لِلْفَضَاءِ الذَّاهِبِ فِي ارْتِفَاعٍ (وَلَيْسَتْ عِبَارَةُ سِيبَوَيْهِ تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ) .
وَحَرْفُ فِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى (إِلَى) ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ: إِمَّا بِمَعْنَى كَأَنَّهُ بَلَغَ السَّمَاءَ وَأَخَذَ يَصَّعَّدُ فِي مَنَازِلِهَا، فَتَكُونُ هَيْئَةً تَخْيِيلِيَّةً، وَإِمَّا عَلَى تَأْوِيلِ السَّمَاءِ بِمَعْنَى الْجَوِّ.
وَجُمْلَةُ: كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ تَذْيِيلٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ.
(١) فِي بَاب مَا تقلب فِيهِ الْوَاو يَاء من «كتاب» سِيبَوَيْهٍ، أَي كَمَا أطلق سِيبَوَيْهٍ فِي كَلَامه السّماء على الِارْتفَاع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute