للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكُفَّارِ، وَإِذَا صَحَّ مَا نُقِلَ عَنْهُ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ قبل علمه بِإِجْمَاع أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُغْفَرُ لَهُمْ.

وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ (مَا) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَوْصُولَةً، فَإِنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْعَاقِلِ بِكَثْرَةٍ. وَإِذَا جُعِلَ قَوْلُهُ: خالِدِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ فِي الْحَشْرِ كَانَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يُقْصَدُ بِهِ إِخْرَاجُ أَوْقَاتٍ وَلَا حَالَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ، يُقْصَدُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الْخُلُودَ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، مُخْتَارًا لَا مُكْرِهَ لَهُ عَلَيْهِ، إِظْهَارًا لِتَمَامِ الْقُدْرَةِ وَمَحْضِ الْإِرَادَةِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ شِئْتُ لَأَبْطَلْتُ ذَلِكَ. وَقَدْ يُعَضَّدُ هَذَا بِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ نَظِيرَهُ فِي نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي قَوْلِهِ: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود: ١٠٦، ١٠٨] فَانْظُرْ كَيْفَ عَقَّبَ قَوْلَهُ: إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ فِي عِقَابِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ بِقَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [هود:

١٠٧] وَكَيْفَ عَقَّبَ قَوْلَهُ: إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ فِي نَعِيمِ أَهْلِ السَّعَادَةِ بِقَوْلِهِ:

عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود: ١٠٨] فَأَبْطَلَ ظَاهِرَ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ فَهَذَا مَعْنَى الْكِنَايَةِ بِالِاسْتِثْنَاءِ، ثُمَّ الْمَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ خُلُودَ الْمُشْرِكِينَ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِزَمَنٍ وَلَا بِحَالٍ. وَيَكُونُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ تذييل، وَالْخطاب للنّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: خالِدِينَ فِيها إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَقُولِ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنِّ فِي الْحَشْرِ كَانَ قَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمَقُولَةِ، لِبَيَانِ أَنَّ مَا رَتَّبَهُ اللَّهُ عَلَى الشِّرْكِ مِنَ الْخُلُودِ رَتَّبَهُ بِحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: خالِدِينَ إِلَخْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا مُعْتَرِضًا كَانَ قَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ تَذْيِيلًا لِلِاعْتِرَاضِ، وَتَأْكِيدًا لِلْمَقْصُودِ