إِطْلَاقُ الدَّارِ آنِفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ [الْأَنْعَام:
١٢٧] ، أَوْ تَكُونُ الْمَكَانَةُ كِنَايَةً عَنِ الْحَالَةِ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْمَرْءِ تَظْهَرُ فِي مَكَانِهِ وَمَقَرِّهِ، فَلِذَلِكَ يُقَالُ: «يَا فُلَانُ عَلَى مَكَانَتِكَ» أَيْ اُثْبُتْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ لَا تَنْحَرِفْ عَنْهُ.
وَمَفْعُولُ اعْمَلُوا مَحْذُوفٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ نَزَلَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، أَيِ اعْمَلُوا عَمَلَكُمُ الْمَأْلُوفَ الَّذِي هُوَ دَأْبُكُمْ، وَهُوَ الْإِعْرَاضُ وَالتَّكْذِيبُ بِالْحَقِّ.
وعَلى مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّمَكُّنِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ، وَهِيَ مُنَاسِبَةٌ لِاسْتِعَارَةِ الْمَكَانَةِ لِلْحَالَةِ. لِأَنَّ الْعِلَاوَةَ تُنَاسِبُ الْمَكَانَ، فَهِيَ تَرْشِيحٌ لِلِاسْتِعَارَةِ، مُسْتَعَارٌ مِنْ مُلَائِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِمُلَائِمِ الْمُشَبَّهِ. وَالْمَعْنَى: الْزَمُوا حَالَكُمْ فَلَا مَطْمَعَ لِي فِي اتِّبَاعِكُمْ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: عَلى مَكانَتِكُمْ- بِالْإِفْرَادِ-. وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ:
مَكَانَاتِكُمُ جَمْعُ مَكَانَةٍ. وَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ جَمْعِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ.
وَجُمْلَةُ: إِنِّي عامِلٌ تَعْلِيلٌ لِمُفَادِ التَّسْوِيَةِ مِنَ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: اعْمَلُوا أَيْ لَا يَضُرُّنِي تَصْمِيمُكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، لَكِنِّي مُسْتَمِرٌّ عَلَى عَمَلِي، أَيْ أَنِّي غَيْرُ تَارِكٍ لِمَا أَنَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ. وَحَذْفُ مُتَعَلَّقِ: إِنِّي عامِلٌ لِلتَّعْمِيمِ مَعَ الِاخْتِصَارِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ سُورَةِ الزُّمَرِ.
وَرُتِّبَ عَلَى عَمَلِهِمْ وَعَمَلِهِ الْإِنْذَارُ بِالْوَعِيدِ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى ذَلِكَ التَّهْدِيدِ.
وَحَرْفُ التَّنْفِيسِ مُرَادٌ مِنْهُ تَأْكِيدُ الْوُقُوعِ لِأَنَّ حَرْفَيِ التَّنْفِيسِ يُؤَكِّدَانِ الْمُسْتَقْبَلَ كَمَا تُؤَكِّدُ (قَدْ) الْمَاضِي، وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى (لَنْ) : إِنَّهَا لِنَفْيِ سَيَفْعَلُ، فَأَخَذَ مِنْهُ الزَّمَخْشَرِيُّ إِفَادَتَهَا تَأْكِيدَ النَّفْيِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute