للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى النِّسَاءِ الْمُتَزَوِّجَاتِ لِأَنَّهُمْ سَمُّوهُنَّ أَزْوَاجًا، وَأَضَافُوهُنَّ إِلَى ضَمِيرِهِمْ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُنَّ النِّسَاءُ الْمُتَزَوِّجَاتُ بِهِمْ كَمَا يُقَالُ: امْرَأَةُ فُلَانٍ. وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الظَّاهِرِ- وَهُوَ الْأَوْلَى عِنْدِي- كَانَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِأَكْلِ الزَّوْجَاتِ لِشَيْءٍ ذِي صِفَةٍ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ تُصِيبَ نِسَاءَهُمْ: مِثْلُ الْعُقْمِ، أَوْ سُوءِ المعاشرة مَعَ الْأزْوَاج، وَالنُّشُوزِ، أَوِ الْفِرَاقِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَوْهَامِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَكَاذِيبِهِمْ، أَوْ لِأَنَّهُ نِتَاجُ أَنْعَامٍ مُقَدَّسَةٍ، فَلَا تَحِلُّ لِلنِّسَاءِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَرْمُوقَةٌ عِنْدَ الْقُدَمَاءِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِالنَّجَاسَةِ وَالْخَبَاثَةِ، لِأَجْلِ الْحَيْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدْ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَمْنَعُونَ النِّسَاءَ دُخُولَ الْمَسَاجِدِ، وَكَانَ الْعَرَبُ لَا يُؤَاكِلُونَ الْحَائِضَ، وَقَالَتْ كَبْشَة بنت معديكرب تُعَيِّرُ قَوْمَهَا:

وَلَا تَشْرَبُوا إِلَّا فُضُولَ نِسَائِكُمْ ... إِذَا ارْتَمَلَتْ أَعْقَابُهُنَّ مِنَ الدَّمِ

وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: أُطْلِقَ الْأَزْوَاجُ عَلَى النِّسَاءِ مُطْلَقًا، أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ، فَيَشْمَلُ الْمَرْأَةَ الْأَيِّمَ وَلَا يَشْمَلُ الْبَنَاتَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُرِيدَ بِهِ الْبَنَاتُ أَيْ بِمَجَازِ الْأَوَّلِ فَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِأَكْلِ الْبَنَاتِ مِنْهُ أَنْ يُصِيبَهُنَّ عُسْرُ التَّزَوُّجِ، أَوْ مَا يَتَعَيَّرُونَ مِنْهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَكَانَتِ الْأَحْوَالُ الشَّائِعَةُ بَيْنَهُمْ دَالَّةً عَلَى الْمُرَادِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ أَيْ إِنْ يُولَدْ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ مَيِّتًا جَازَ أَكْلُهُ لِلرِّجَالِ وَالْأَزْوَاجِ، أَوْ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، أَوْ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْبَنَاتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مَيِّتًا يُبْطِلُ مَا فِيهِ مِنَ الشُّؤْمِ عَلَى الْمَرْأَةِ، أَوْ يُذْهِبُ قَدَاسَتَهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَإِنْ يَكُنْ- بِالتَّحْتِيَّةِ وَنَصْبِ مَيْتَةً. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ- بِرَفْعِ مَيْتَةً-، عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ، وَقَدْ أُجْرِيَ ضَمِيرُ: يَكُنْ عَلَى التَّذْكِيرِ: لِأَنَّهُ جَائِزٌ فِي الْخَبَرِ عَنِ اسْمِ الْمَوْصُولِ الْمُفْرَدِ اعْتِبَارُ التَّذْكِيرِ