سَفَهٌ. التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِك ظنّا مِنْهُم أنّهم أَصَابُوا فِيمَا فعلوا، وأنّهم علمُوا كَيفَ يرأبون مَا فِي الْعَالَمِ مِنَ الْمَفَاسِدِ، وَيُنَظِّمُونَ حَيَاتَهُمْ أَحْسَنَ نِظَامٍ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ مَغْرُورُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَجَاهِلُونَ بِأَنَّهُمْ يَجْهَلُونَ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الْكَهْف: ١٠٤] . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْوَأْدِ آنِفًا، وَيَأْتِي فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الْإِسْرَاء: ٣١] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ- بِتَخْفِيفِ التَّاءِ- وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ- بِتَشْدِيدِ التَّاءِ- لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِشِدَّةٍ، وَلَيْسَتْ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ مُفِيتَةً هَذَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ تَسْلِيطَ فِعْلِ الْقَتْلِ عَلَى الْأَوْلَادِ يُفِيدُ أَنَّهُ قَتْلٌ فَظِيعٌ.
وَقَوْلُهُ: وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ نَعَى عَلَيْهِمْ خُسْرَانَهُمْ فِي أَنْ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بَعْضَ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، فَحُرِمُوا الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَحَرَمُوا النَّاسَ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَهَذَا شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ، بِخِلَافِ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ. وَالْمَوْصُولُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْجَمَاعَةُ يَصِحُّ فِي الْعَطْفِ عَلَى صِلَتِهِ أَنْ تَكُونَ الْجُمَلُ الْمُتَعَاطِفَةُ مَعَ الصِّلَةِ مُوَزَّعَةً عَلَى طَوَائِفِ تِلْكَ الْجَمَاعَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمرَان: ٢١] .
وَانْتَصَبَ افْتِراءً عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ لِ حَرَّمُوا: لِبَيَانِ نَوْعِ التَّحْرِيمِ بِأَنَّهُمْ نَسَبُوهُ لِلَّهِ كَذِبًا.
وَجُمْلَةُ قَدْ ضَلُّوا اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِزِيَادَةِ النِّدَاءِ عَلَى تَحَقُّقِ ضَلَالِهِمْ.
وَالضَّلَالُ: خَطَأُ الطَّرِيقِ الْمُوصِّلِ إِلَى الْمَقْصُودِ، فَهُمْ رَامُوا الْبُلُوغَ إِلَى مَصَالِحَ دُنْيَوِيَّةٍ، وَالتَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى شُرَكَائِهِمْ، فَوَقَعُوا فِي الْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ، وَأَبْعَدَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، فَلِذَلِكَ كَانُوا كَمَنْ رَامَ الْوُصُولَ فَسَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute