للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْوَاوُ فِي: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لِلْعَطْفِ، فَيَكُونُ عَطْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى جُمْلَةِ

وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ [الْأَنْعَام: ١٤٠] تَذْكِيرًا بِمِنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ بِمَا أَنْشَأَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِمَا يَنْفَعُهُمْ، فَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ سُوءَ تَصَرُّفِ الْمُشْرِكِينَ فِيمَا مَنَّ بِهِ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ مَعَ تَسْفِيهِ آرَائِهِمْ فِي تَحْرِيمِ بَعْضِهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، عَطَفَ عَلَيْهِ الْمِنَّةَ بِذَلِكَ اسْتِنْزَالًا بِهِمْ إِلَى إِدْرَاكِ الْحَقِّ وَالرُّجُوعِ عَنِ الْغَيِّ، وَلِذَلِكَ أُعِيدَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَالِبُ مَا ذُكِرَ فِي نَظِيرَتِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ [الْأَنْعَام: ٩٩] لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّهُ الصَّانِعُ، وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ، فَكَيْفَ يُشْرِكُونَ بِهِ غَيْرَهُ. وَلِذَلِكَ ذَيَّلَهَا بِقَوْلِهِ: إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الْأَنْعَام: ٩٩] ، وَعَطَفَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ [الْأَنْعَام: ١٠٠] الْآيَاتِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ: الِامْتِنَانُ وَإِبْطَالُ مَا يُنَافِي الِامْتِنَانَ وَلِذَلِكَ ذُيِّلَتْ هَذِهِ بِقَوْلِهِ:

كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ.

وَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ وَامْتِنَانٌ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ الْحَظُّ الْعَظِيمُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ أَعْقَبَ بِالْأَمْرِ بِأَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ إِذْ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ الْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ.

وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ، أَيْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَا غَيْرُهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْحَصْرِ إِبْطَالُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ حَظٌّ فِيهَا، لِإِبْطَالِ مَا جَعَلُوهُ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ من نصيب أنصابهم مَعَ أَنَّ اللَّهَ أَنْشَأَهُ.

وَالْإِنْشَاءُ: الْإِيجَادُ وَالْخَلْقُ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً [الْوَاقِعَة: ٣٥] أَيْ نِسَاءَ الْجَنَّةِ.