وَالْحَصَادُ- بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبِفَتْحِهَا- قَطْعُ الثَّمَرِ وَالْحَبِّ مِنْ أُصُولِهِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ عَلَى وَزْنِ الْفِعَالِ أَوِ الْفَعَالِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ «جَاءُوا بِالْمَصَادِرِ حِينَ أَرَادُوا انْتِهَاءَ الزَّمَانِ عَلَى مِثَالِ
فِعَالٍ وَذَلِكَ الصِّرَامُ وَالْجِزَازُ وَالْجِدَادُ وَالْقِطَاعُ وَالْحِصَادُ، وَرُبَّمَا دَخَلَتِ اللُّغَةُ فِي بَعْضِ هَذَا (أَيِ اخْتَلَفَتِ اللُّغَاتُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَبَائِلِ حَصَادٌ- بِفَتْحِ الْحَاءِ- وَقَالَ بَعْضُهُمْ حِصَادٌ- بِكَسْرِ الْحَاءِ-) فَكَانَ فِيهِ فِعَالٌ وَفَعَالٌ فَإِذَا أَرَادُوا الْفِعْلَ عَلَى فَعَلْتَ قَالُوا حَصَدْتُهُ حَصْدًا وَقَطَعْتُهُ قَطْعًا إِنَّمَا تُرِيدُ الْعَمَلَ لَا انْتِهَاءَ الْغَايَةِ» .
وَقَرَأَهُ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَخَلَفٌ- بِكَسْرِ الْحَاءِ-.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَيَعْقُوبُ- بِفَتْحِ الْحَاءِ-.
وَقَدْ فُرِضَتِ الزَّكَاةُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، لِأَنَّ افْتِرَاضَهَا ضَرُورِيٌّ لِإِقَامَةِ أَوَدِ الْفُقَرَاءِ مِنَ الْمُسَلِمِينَ وَهُمْ كَثِيرُونَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَدْ نَبَذَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَمَوَالِيهِمْ، وَجَحَدُوا حُقُوقَهُمْ، وَاسْتَبَاحُوا أَمْوَالَهُمْ، فَكَانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ أَنْ يَسُدَّ أَهْلُ الْجِدَةِ وَالْقُوَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَلَّتَهُمْ. وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ الزَّكَاةِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِمَّا نَزَلَ بِمَكَّةَ مِثْلُ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ وَسُورَةِ الْبَيِّنَةِ وَهِيَ مِنْ أَوَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ، فَالزَّكَاةُ قَرِينَةُ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ: الزَّكَاةُ فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ، يَحْمِلُ عَلَى ضَبْطِ مَقَادِيرِهَا بِآيَةِ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التَّوْبَة: ١٠٣] وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ، ثُمَّ تَطَرَّقُوا فَمَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا الزَّكَاةَ، لأنّ هَذِه السّورة مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا تِلْكَ الْآيَةُ مُؤَكِّدَةٌ لِلْوُجُوبِ بَعْدَ الْحُلُولِ بِالْمَدِينَةِ، وَلِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا أَخْذُهَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا ضُبِطَتِ الزَّكَاةُ. بِبَيَانِ الْأَنْوَاعِ الْمُزَكَّاةِ وَمِقْدَارِ النُّصُبِ وَالْمُخْرَجِ مِنْهُ، بِالْمَدِينَةِ، فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ وُجُوبِهَا فِي مَكَّةَ، وَقَدْ حَمَلَهَا مَالِكٌ عَلَى الزَّكَاةِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَضْبُوطَةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute