وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هِيَ قِرَاءَةٌ مَوْضُوعَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ يَعْنِي شَاذَّةً شُذُوذًا شَدِيدًا وَلَمْ يَرْوِهَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ، وَلَعَلَّهَا مِنْ وَضْعِ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْمُنَاظَرَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْفَخْرِ.
وَقَوْلُهُ: حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا غَايَةٌ لِلتَّكْذِيبِ مَقْصُودٌ مِنْهَا دَوَامُهُمْ عَلَيْهِ إِلَى آخِرِ أَوْقَاتِ وُجُودِهِمْ. فَلَمَّا ذَاقُوا بَأْسَ اللَّهِ هَلَكُوا وَاضْمَحَلُّوا، وَلَيْسَتِ الْغَايَةُ هُنَا لِلتَّنْهِيَةِ: وَالرُّجُوعِ عَنِ الْفِعْلِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ بَعْدَ اسْتِئْصَالِهِمْ.
وَالذَّوْقُ مَجَازٌ فِي الْإِحْسَاسِ وَالشُّعُورِ، فَهُوَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمُقَيَّدِ فِي الْمُطْلَقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٩٥] .
وَالْبَأْسُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى ضَمِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَعْظِيمِهِ وَتَهْوِيلِهِ.
وَأَمَرَ الله رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَوَابِ عَنْ مَقَالِهِمُ الْوَاقِعِ أَوِ الْمُتَوَقَّعِ بِقَوْلِهِ: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا، فَفَصَّلَ جُمْلَةَ: قُلْ لِأَنَّهَا جَارِيَة مجْرى المقاولة وَالْمُجَاوَبَةِ كَمَا تَقَرَّرَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَجَاءَ بِالِاسْتِفْهَامِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ الْإِفْحَامُ وَالتَّهَكُّمُ بِمَا عُرِفَ مِنْ تَشَبُّثِهِمْ بِمِثْلِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ.
وَجُعِلَ الِاسْتِفْهَامُ بِ هَلْ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ تَحْقِيقِ الْإِسْنَادِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ، لِأَنَّ أَصْلَ هَلْ أَنَّهَا حَرْفٌ بِمَعْنَى «قَدْ» لِاخْتِصَاصِهَا بِالْأَفْعَالِ، وَكَثُرَ وُقُوعُهَا بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، فَغَلَبَ عَلَيْهَا مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، فَكَثُرَ حَذْفُ الْهَمْزَةِ مَعَهَا حَتَّى تُنُوسِيَتِ الْهَمْزَةُ فِي مَشْهُورِ الْكَلَامِ وَلَمْ تَظْهَرْ مَعَهَا إِلَّا فِي النَّادِرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٩١] . فَدَلَّ هَلْ عَلَى أَنَّهُ سَائِلٌ عَنْ أَمْرٍ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مُحَقَّقًا كَأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي حُصُولِهِ فَيُغْرِيهِمْ بِإِظْهَارِهِ حَتَّى إِذَا عَجَزُوا كَانَ قَطْعًا لِدَعْوَاهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute