هَذَا الِاحْتِرَاسِ مِنَ الِامْتِنَانِ، فَتَوَلَّى اللَّهُ خِطَابَ النَّاسِ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّكَلُّمِ مُبَاشرَة زِيَادَة فِي المنّة، وَتَصْدِيقًا لِلْمُبَلِّغِ، فَالْوِصَايَةُ بِإِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ رَاجِعَةٌ إِلَى حِفْظِ مَال المُشْتَرِي فِي مَظِنَّةِ الْإِضَاعَةِ، لِأَنَّ حَالَةَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ حَالَةُ غَفلَة المُشْتَرِي، إِذِ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمِكْيَالُ أَوِ الْمِيزَانُ، وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِرَغْبَتِهِ فِي تَحْصِيلِ الْمَكِيلِ أَوِ الْمَوْزُونِ قد يتحمّل التّطفيف، فَأُوصِيَ الْبَائِعُ بِإِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ. وَهَذَا الْأَمْرُ يَدُلُّ بِفَحْوَى الْخِطَابِ عَلَى وُجُوبِ حِفْظِ الْمَالِ فِيمَا هُوَ أشدّ من التّطفيف، فإنّ التّطفيف إِنْ هُوَ إِلَّا مُخَالَسَةُ قَدْرٍ يَسِيرٍ مِنَ الْمَبِيعِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَظْهَرُ حِينَ التَّقْدِيرِ فَأَكْلُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْمَالِ أَوْلَى بِالْحِفْظِ، وَتَجَنُّبِ الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
تَذْيِيلًا لِلْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا، تَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا دَعَوْا إِلَيْهِ هُوَ فِي طَاقَتِهِمْ وَمُكْنَتِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٨٦] .
وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى.
هَذَا جَامِعٌ كُلَّ الْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ الْكَلَامِ وَهِيَ الشَّهَادَةُ، وَالْقَضَاءُ، وَالتَّعْدِيلُ، وَالتَّجْرِيحُ، وَالْمُشَاوَرَةُ، وَالصُّلْحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْأَخْبَارُ الْمُخْبِرَةُ عَنْ صِفَاتِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمُعَامَلَاتِ: مِنْ صِفَاتِ الْمَبِيعَاتِ، وَالْمُؤَاجَرَاتِ، وَالْعُيُوبِ وَفِي الْوُعُودِ، وَالْوَصَايَا، وَالْأَيْمَانِ وَكَذَلِكَ الْمَدَائِحُ وَالشَّتَائِمُ كَالْقَذْفِ، فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِيمَا يَصْدُرُ عَنِ الْقَوْلِ.
وَالْعَدْلُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْقَوْلِ شَيْءٌ مِنَ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْحُقُوقِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute