فِيهِ ثِقَلٌ، وَالْأَلِفُ النَّاشِئَةُ عَنِ الْفَتْحَةِ الْأُولَى لَا تُعَدُّ حَاجِزًا فَعَدَلَ عَنْ فَتْحِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ إِلَى إِسْكَانِهَا» . وَقَرَأَهُ الْبَقِيَّةُ- بِفَتْحِ الْيَاءِ- وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ وَرْشٍ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْقِرَاءَةِ أَنَّ نَافِعًا رَجَعَ عَنِ الْإِسْكَانِ إِلَى الْفَتْحِ.
وَجُمْلَةُ: وَبِذلِكَ أُمِرْتُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ صَلاتِي إِلَخْ. فَهَذَا مِمَّا أُمِرَ بِأَنْ يَقُولَهُ، وَحَرْفُ الْعَطْفِ لَيْسَ مِنَ الْمَقُولِ.
وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: وَبِذلِكَ إِلَى الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي إِلَخْ،
أَيْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلَّهِ بِهَدْيٍ مِنَ اللَّهِ وَأَمْرٍ مِنْهُ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الْأَنْعَام: ١٦١] يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا هَدَاهُ أَمَرَهُ بِمَا هُوَ شُكْرٌ عَلَى تِلْكَ الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا أُعِيدَ هُنَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الصَّلَاةَ وَمَا عَطَفَ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ وَجَعَلَهَا لِلَّهِ تَعَالَى أَعْقَبَهَا بِأَنَّهُ هُدًى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ [الزمر: ١١، ١٢] . وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لِلِاهْتِمَامِ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَبِذلِكَ أُمِرْتُ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْكِنَائِيِّ، وَهُوَ لَازِمُ مَعْنَاهُ، يَعْنِي قَبُولَ الْإِسْلَامِ وَالثَّبَاتَ عَلَيْهِ وَالِاغْتِبَاطَ بِهِ، لِأَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَسْرَعَ إِلَيْهِ فَجَاءَهُ أَوَّلُ النَّاسِ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ السَّبْقِ إِذْ يُطْلَقُ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى التَّمَكُّنِ وَالتَّرَجُّحِ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
سَبَقْتَ الرِّجَالَ الْبَاهِشِينَ إِلَى الْعُلَا ... كَسَبْقِ الْجَوَادِ اصْطَادَ قَبْلَ الطَّوَارِدِ
لَا يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَعَالِي أَقْدَمَ مَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِي أَهْلِ الْمَعَالِي مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا، وَمَنْ نَالَ الْعُلَا قَبْلَ أَنْ يُولَدَ الْمَمْدُوحُ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ نَوَالِ الْعُلَا وَأَصْبَحَ الْحَائِزَ لَهُ وَالثَّابِتَ عَلَيْهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
. وَهَذَا الْمَعْنَى تَأْيِيسٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الطَّمَعِ فِي التَّنَازُلِ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَلَوْ أَقَلَّ تَنَازُلٍ. وَمِنِ اسْتِعْمَالِ (أَوَّلُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute