للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ يَرْغَبُونَ أَنْ يَعْتَرِفَ بِرُبُوبِيَّةِ أَصْنَامِهِمْ، وَقَدْ حاولوا مِنْهُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ سَوَاءٌ كَانُوا حَاوَلُوا ذَلِكَ مِنْهُ بِقُرْبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَمْ لَمْ يُحَاوِلُوهُ، فَهُمْ دَائِمُونَ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ، حَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ النَّقَاشِ أَنَّ الكفّار قَالُوا للنّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعْ إِلَى دِينِنَا وَاعْبُدْ آلِهَتَنَا وَنَحْنُ نَتَكَفَّلُ لَكَ بِكُلِّ تِبَاعَةٍ تَتَوَقَّعُهَا فِي دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ» وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.

وَقُدِّمَ الْمَفْعُولُ عَلَى فِعْلِهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ، لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِنْكَارِ هُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ اللَّهِ يُبْتَغَى لَهُ رَبًّا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْجَوَابِ إِذَا صَحَّ أَنَّ الْمُشْركين دعوا النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِبَادَةِ آلِهَتِهِمْ فَيَكُونَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْفِعْلِ لِلِاهْتِمَامِ لِمُوجِبٍ أَوْ لِمُوجِبَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فِي هَذِهِ السُّورَةِ [١٤] .

وَجُمْلَةُ: وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِ الْحَال، وَهُوَ حَال مُعَلَّلٌ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَذَلِكَ بِاعْتِرَافِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَدَّعُونَ أَنَّ الْأَصْنَامَ خَالِقَةٌ لِشَيْءٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الْحَج: ٧٣] فَلَمَّا كَانَ اللَّهُ خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبَّهُ فَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِي أَنْ يَعْبُدَهُ الْخَلَائِقُ، وَعِبَادَةُ غَيْرِهِ ظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَكفر بِنِعْمَة الربوبيّة، وبقطع النّظر عَن كَون الْخلق نعْمَة، لِأَنَّ الْخَلْقَ إِيجَادٌ وَالْوُجُودُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَدَمِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْخَلْقِ مُوجِبٌ لِلْعِبَادَةِ لِأَجْلِ الْعُبُودِيَّةِ.

وَإِنَّمَا قِيلَ: وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَمْ يَقُلْ: وَهُوَ رَبِّي، لِإِثْبَاتِ أَنَّهُ رَبُّهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ لِكَوْنِهِ إَثْبَاتَ حُكْمٍ عَامٍّ يَشْمَلُ الْمَقْصُودِ الْخَاصِّ، وَلِإِفَادَةِ أَنَّ أَرْبَابَهُمْ غَيْرُ حَقِيقَة

بالربوبيّة لأنّها مربوبة أَيْضًا لِلَّهِ تَعَالَى.

وَقَوْلُهُ: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها من القَوْل بالمأمور بِهِ، مُفِيدٌ مُتَارَكَةً لِلْمُشْرِكِينَ وَمَقْتًا لَهُمْ بِأَنَّ عِنَادَهُمْ لَا يَضُرُّهُ، فَإِنَّ مَا اقْتَرَفُوهُ مِنَ